القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية الطبية بين مبدأ عصمة الجسد البشري وبين حداثة التطور العلمي دراسة للباحث حسين جليل القصير التقديم بقلم هديل اياد جواد الغزالي



المسؤولية الطبية بين مبدأ عصمة الجسد البشري وبين حداثة التطور العلمي دراسة للباحث حسين جليل القصير .
التقديم بقلم : هديل اياد جواد الغزالي


المسؤولية الطبية بين مبدأ عصمة الجسد البشري وبين حداثة التطور العلمي دراسة للباحث حسين جليل القصير .
التقديم بقلم : هديل اياد جواد الغزالي

     الحمد لله الحكيم العادل حمدا تنزه به عن كل باطل والصلاة والسلام على خير مرسل النبي العربي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر المنتجبين.
     قال تعالى: (وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كانَ مَسؤولاً) ، يثير موضوع المسؤولية الطبية كثيرا من التساؤلات، فالمسؤولية ليست وليدة الوقت الحالي بل تضرب عميقا في التاريخ، فقد نصت أقدم الشرائع متمثلة بقانون حمورابي على صرامة العقوبات التي يمكن أن ينالها الطبيب فيما إذا اخطأ ومكافأة جزيلة إذا أصاب، وهذا يدل على مدى الاهتمام بإتقان العمل الطبي، من ذلك (إذا أجرى الطبيب شقا كبيرا باستخدام السكين الجراحي وعالجه ، أو انه فتح ورما فوق العين وحافظ على العين سليمة فيحق للطبيب أن يستلم مكافأة مالية قدرها عشرة شيكل ، أما إذا تسبب الطبيب في موت ذلك المريض أو في تلف عينه فتقطع يد الطبيب)، وقد أهتم المشرع المصري القديم بحماية الناس من الأطباء فأوجب على الطبيب اتباع ما دون في كتاب السفر المقدس وبخلافه يتعرض للعقاب، حتى ان اليهود قديما لم يسمحوا بمزاولة الطب إلا بعد أخذ الإذن من مجلس القضاء، فضلا عن الاغريق والرومان.
  لا أحد يستطيع أن ينكر مبدأ حرمة الجسد البشري فالخلق الرباني وُجد متكاملا إلا ان العوارض التي قد تحل به تستدعي الأخذ بالأسباب والتماس الوسائل ، فكان له أثر في تعزيز الحماية القانونية للجسد الإنساني بما يكفل له الحق في سلامته ، حتى يعد هذا المبدأ من المبادئ القانونية  التي تحرم المساس به الا في قالب الغاية العلاجية، ان الحق في الحياة وسلامة الجسد من الحقوق الملازمة للإنسان التي لا يمكن له ان يستغني عنها، لذلك قيل ان الحقوق سابقة على القانون ويقتصر دور القانون على تنظيمها إذ هي في الواقع سبب وجود القانون وعلته، وقد اطلق عليها فلاسفة القرن الثامن عشر مصطلح الحقوق الطبيعية أو حقوق الإنسان، وذلك بتأثير من مدرسة القانون الطبيعي التي ترى ان الإنسان لمجرد كونه إنساناً يولد وتولد معه حقوقه الطبيعية وهو لم يقبل الخضوع لسلطان الدولة الا لأنها ستحافظ له على تلك الحقوق.
فتجلى الصراع بين مبدأ عصمة الجسد البشري وبين الحداثة، فالتطورات العلمية تطلبت بعض المرونة بسبب تطور العلوم والاستكشافات الطبية فصار بالإمكان أن يبدل عضو مكان آخر في جسد الإنسان مما يضمن السلامة في ذلك، وان كان الأمر محفوفا بالخطر؛ لأن هناك جهات بدأت بدافع الطمع واللاإنسانية الاتجار بالأعضاء ليستغلوا ضعف الامكانات والجهل والفقر لذلك سنت القوانين وشرعت الشرائع على قدر عال من الحزم والجد والصرامة لأجل درء المفاسد اتباعا للقاعدة الفقهية التي تقول: (إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، فحد القانون حدودا رادعة وكما يؤكد قانون نقل وزرع الأعضاء البشرية والاتجار بها العراقي المرقم 11 لسنة 2016 في المادة ثانيا (لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي أو علاجه من مرض جسيم، وبشرط أن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة وألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته، ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب)، فتبدو مسؤولية الطبيب واضحة لاتصال عمله بالجسد الإنساني مما يستدعي الموازنة بين المريض في عصمة وسلامة جسده وعدم المساس به، وبين الطبيب في ممارسة مهنته دون تكبيل ومخاوف من القيود القانونية سيما وان الطبيب شخص جند نفسه للقيام بعمل إنساني يتصل بإنقاذ حياة المريض، ومن ثم يتصور أمام هذه المهمة الجسيمة أن يجد نفسه فجأة أمام القانون مسؤولا.
   سلك المؤلف (حسين القصير) مسلكا دقيقا في عرض محتوى منجزه فجاء بمعطيات قانونية ومشروعية بأسلوب يبلغ الأفهام ويؤدي الإفهام ، وقد برز في موضوعه فيما اشتمل عليه من سمات إنسانية فكان له وعي بالحال الإنسانية فكتب وهو يجاري الأحداث، وقد انماز المؤلف ومنجزه بانهما منفردان في بابهما ولم يسبقهما سابق على النحو الذي عرض به مادته سالكا الموازنة والمقارنة بين تشريعات قانونية منها التشريعات الفرنسية والمصرية والعراقية، وأيضا عرض لآراء الفقهاء حول طبيعة حق الإنسان على جسده فعدوا هذا الحق نوعاً خاصاً من الحقوق سميت بالحقوق الملازمة للشخصية تكريماً للكائن البشري وتقديساً لآدميته، ، وأكد على ضرورة ان ينص المشرع على منع أي تصرف بالأعضاء البشرية يفضي إلى الوفاة أو إلى الإصابة بعاهة مستديمة أو إلى اختلاط الأنساب نصاً صريحاً وواضحاً لا لبس فيه للحيلولة دون الالتفاف على النصوص القانونية العامة وتفسيرها على نحو مغلوط، فتمكن من الاجابة عن التساؤلات الدينية والقانونية على مدى شرعية ومشروعية التصرف القانوني بالأعضاء البشرية فطرح اجوبة واعطى حلولا واضاف مقترحاتٍ واستخلص نتائجا وابدى توصياتٍ.
 وبعد هذا النظر الماتع والفكر الرائع فيما عرض المؤلف من رؤى وأفكار بهذا التفصيل العلمي والقانوني استحق اخراج منجزه على نحو دقيق ابان عن مكامن تمكن المؤلف من مادته، وهو بعد اضافة ثرية للمكتبة القانونية ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع