القائمة الرئيسية

الصفحات

الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 1) د. حيدر أدهم الطائي



الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 1)
د. حيدر أدهم الطائي



الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 1)
د. حيدر أدهم الطائي

     يعبر الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو"  في كلام ماثور عن جوانب من اشكالية الصراع بين فكرة الحق وهيمنة القوة  بقوله "يستحيل على القوي أن يظل سيد الموقف كل الوقت إلا إذا استطاع أن يحول قوته إلى حق وطاعته إلى واجب"
    ونحن على يقين ان المعنى المتقدم يعكس الترابط بين الاعتبارات المعنوية التي يجب ان تتشكل منها ثقافة المجتمع والتي من الضروري ات تنبني على مجموعة من الاخلاقيات السامية من جهة وبين الاعتبارات المادية الاساسية لاستمرار حياة الانسان بكرامة, وهذه جوانب سبق لخاتم الانبياء الرسول محمد "ص" ان عبر عنها بقوله "طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته واستقامت خليقته" وعلى كل حال فإن الدوامة المذكورة للصراع بين القوة والحق ربما نلحظها بوضوح في النظام القانوني الدولي نظراً للتضارب الشديد في المصالح والرؤى والتصورات بين اشخاصه فضلا عن التركيز الاعلامي الكبير على تطورات العلاقات الدولية, إلا ان القانون الدولي يبقى باعتباره نظاماً قانونياً يحكم العلاقات بين الدول خير معبر عن أفضل الطرق لحكم العلاقات الدولية، فالحقيقة الإنسانية في جوهرها تبقى واحدة ومن هذا المنطلق سيبقى القانون الدولي بما يتضمنه من قواعد قانونية مستقاة من مصادر شتى المعبر عن مجموعة من القيم والاعتبارات والمبادئ التي تكرس جوهر التجربة الإنسانية في مجال القانون المنظم لمصالح تتخذ اطر جمعية, وتمثل هذه الحقيقة الأساس الذي تنبني عليه مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها التشريعية.
    إن للدولة الحق في إصدار ما تريد من تشريعات إلا ان عليها ان تراعي عدم تعارض هذه التشريعات مع القواعد الدولية باعتبارها شخص القانون الدولي العام الرئيسي والمسؤول عن كافة التصرفات غير المشروعة دولياً الصادرة من سلطتها التشريعية سواء كان التصرف الصادر عنها إيجابياً, كإصدارها لقوانين تتعارض مع الالتزامات الدولية، أو سلباً كامتناعها عن إصدار القوانين الضرورية لتنفيذ هذه الالتزامات، كحالة امتناع البرلمان عن الموافقة على تشريع لا بد من صدوره لتنفيذ معاهدة معينة أو امتناعه عن الموافقة على إقرار اعتمادات مالية معينة لا بد منها لتنفيذ التزامات الدولة في ميدان القانون الدولي. ولقد طبق القضاء الدولي منذ عشرات السنين المبدأ القاضي بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية في عدة حالات كما في القرار التحكيمي الذي أصدره (Gustave  Ador) في 15 حزيران 1922 ضد فرنسا لأنها طبقت على بعض الرعايا الأسبان أحكام القانون الفرنسي الصادر في الأول من تموز 1916 والقاضي بفرض ضريبة طارئة "استثنائية" على أرباح ناتجة عن حالة الحرب انتهاكاً لأحكام اتفاقية الإقامة المعقودة بين فرنسا وأسبانيا عام 1862.
    كما أصدرت محكمة العدل الدولية الدائمة في 13 تشرين الأول سنة 1922 حكما في قضية مصادرة الولايات المتحدة الأمريكية بعض السفن النرويجية المحايدة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بذات المضمون فضلاً عن قرارات أخرى عديدة صدرت عن محكمة العدل الدولية أكدت مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها التشريعية، حيث تنسب مثل هذه التصرفات الى الدولة لامكانية مسائلتها دوليا فهي الشخص الرئيسي للقانون الدولي, وهذه المسؤولية لا تقتصر على القوانين التي تصدرها السلطات التشريعية للدولة انتهاكاً لأحكام القانون الدولي بل تمتد لتشمل أحكام دستورها حيث ايدت محكمة العدل الدولية الدائمة هذا المبدأ في رأيها الاستشاري الصادر بتأريخ 4 شباط 1932 بشأن معاملة الرعايا البولونيين المقيمين في مقاطعة "دانتزيغ" والذي جاء فيه (ليس للدولة أن تحتج أمام دولة أخرى بأحكام دستورها للتحلل من الالتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي والمعاهدات النافذة)
     وفي هذا السياق فإن ما أود التنبيه إليه هو ضرورة أن تنسجم ما تصدره السلطة التشريعية العتيدة !!! في العراق من قوانين, وهي مطالبة أن تفعل ذلك مع الالتزامات الدولية للعراق, الامر الذي يقتضي مراجعة دقيقة لاية اتفاقية او التزام دولي يرد باية صيغة يمكن ان يترتب عليها, صحيح ان قاعدة اللاحق ينسخ السابق يمكن ان تجد لها تطبيقاً في حالات معينة إلا ان النصوص الدستورية القاضية بأن العراق يلتزم بالاتفاقيات الدولية تجعل من إثارة مسؤولية الدولة العراقية عن أعمال سلطتها التشريعية أمراً وارداً بل ان هناك نوعاً من المسؤولية القانونية والأخلاقية للدولة العراقية في مواجهة مواطنيها, فمخالفة الالتزامات الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات على سبيل المثال تثير مثل هذه المسؤولية إذا أدت التشريعات المحلية الصادرة عن السلطة التشريعية إلى الانتقاص من هذه الحقوق ومضامينها كما هي مقررة في التزامات دولية سابقة للعراق على المستوى العربي أو الدولي.
وبالعودة إلى مراحل زمنية سابقة يلاحظ بشكل جلي ان ما تعرض له المجتمع العراقي من هزات عنيفة كان مردها عدم احترام الدولة العراقية لحقوق الإنسان التي كرستها عدة دساتير عراقية وطبقاً لوجهة نظر القابضين على السلطة فضلاً عن الاتفاقيات الدولية المعنية ذات الصلة, ومن أبرزها اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 وإذا كنا نقر ان ممارسات انتهاك حقوق الإنسان ليست ممارسات قاصرة على العراق لكنها ممتدة على طول وعرض الكرة الأرضية وفي بلدان العالم المختلفة على درجات متباينة. وما نخرج منه كحصيلة في هذا المجال هي ان مراعاة التزامات العراق الدولية وخاصة في مجال الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان المصدق عليها من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة تمثل أحد صمامات الأمان التي يستند إليها جوهر البنيان القانوني, فهذه الاتفاقيات بما تتضمنه من مبادئ وقيم عبرت عن تجارب الإنسانية وطموحاتها في مجتمع أفضل  تكرس أو هي تسعى إلى تحقيق أهداف سامية لا تتعارض على وجه العموم مع مصالح المجتمعات التي يعيش فيها البشر.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع