القائمة الرئيسية

الصفحات

الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 2) د. حيدر أدهم الطائي



الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 2)
د. حيدر أدهم الطائي



الانتهاكات التشريعية في ضوء التزامات العراق الدولية ( ج : 2)
د. حيدر أدهم الطائي

   وبقدر تعلق الأمر بالحالة في العراق نستطيع الإشارة إلى بعض التشريعات التي نعتقد انها تثير شكلاً من أشكال التعارض مع التزامات العراق الدولية سواء تعلق الأمر بتشريعات صدرت قبل الاحتلال الأمريكي للعراق أو بعد هذه الفترة وهذه التشريعات هي:
1.قامت التطبيقات العملية للدساتير العراقية المؤقتة ابتداءاً من دستور 27 تموز 1958 ولغاية دستور 16 تموز 1970 على عدم الاعتراف للمواطنين العراقيين بالحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة في العراق سواء بصورة مباشرة أو عن طريق ممثلين يجري اختيارهم بحرية, وهذا ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (21) وهو ذو طبيعة ملزمة عن طريق العرف, وكذلك الحال مع المادة (25) من اتفاقية الحقوق المدنية السياسية لعام 1966 والمصادق عليها من جانب العراق مطلع السبعينيات من القرن المنصرم والتي أكدت بدورها على حق كل مواطن دون أي وجه من وجوه التمييز في المشاركة بإدارة الشؤون العامة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية ونزاهة، وان تجري هذه الانتخابات دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، لضمان التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
2.توسعت التشريعات العراقية التي صدرت قبل الاحتلال الأمريكي للعراق في تشديد العقوبات واستحداث جرائم جديدة عبر عنها أحد شيوخ الحقوقيين العراقيين البارزين بأنها (تدفق زخم متواصل من تعديلات شاذة صيغت في 26 قانون و122 قرار أصدرها مجلس قيادة الثورة متجاهلاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومستهيناً بكل القيم والمفاهيم الإنسانية والحضارية، إذ انطوت تلك التعديلات على استحداث 44 جريمة أغلبها لا تستند إلى معيار سليم للتجريم منها 14 جريمة معاقب عليها بالإعدام إضافة لتشديد صارم لعقوبات 49 جريمة جعل عقوبة 21 جريمة منها الإعدام. وبضم عقوبات الإعدام المستحدثة هذه إلى 35 عقوبة إعدام لجرائم منصوص عليها أصلاً في القانون يبلغ عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في قانون العقوبات 70 جريمة. كذلك استحدثت التعديلات عقوبات بشعة لبعض الجرائم وهي قطع اليد من الرسغ وقطع الرجل من مفصل القدم وقطع صوان الأذن المصحوب كل منها بوشم في الجبين. تم تعليق تطبيق القرارات الخاصة بعقوبات القطع بعد تنفيذها لفترة من الزمن, واستحدثت أيضاً عقوبة الحجز وخولت شُعب حزب البعث العربي الاشتراكي بتوقيعها على مرتكبي بعض الجرائم المستحدثة. وأخطر التعديلات هو الذي أحل عقوبة الحبس محل عقوبة الغرامة أينما وردت في قانون العقوبات مما جعل العقوبات المقررة في هذا القانون تقتصر على الإعدام والسجن المؤبد والحبس والحجز)
وهذا التوجه التشريعي في المجال المذكور أعلاه يتعارض كلياً مع المادة (6) من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية الملزمة للعراق منذ دخولها دور النفاذ في العام 1976 التي أكدت على ان الحق في الحياة ملازم لكل إنسان وعلى القانون ان يحمي هذا الحق، وانه لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً، فضلاً عن تحريم فرض عقوبة الإعدام الا على أشد الجرائم خطورة وفقاً للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام الاتفاقية, واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.
3.انتهكت حقوق الشعب العراقي مرة أخرى بالعدوان الأمريكي على العراق عام 2003 والذي يشكل خرقاً لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي حيث أصدرت سلطات الاحتلال عدة أوامر ذات طبيعة تشريعية تخدم تواجد قوات الاحتلال والجهات المرتبطة به كما هو الحال بالنسبة للأمر رقم (17) الذي منح عناصر القوة المتعددة الجنسيات والبعثات الدبلوماسية وكل الموظفين غير العراقيين مدنيين أو عسكريين الحصانة تجاه أي إجراء قانوني عراقي، وهذه الإجراءات في مجملها لا تتفق بل تتعارض كلياً مع مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير, وهو أحد مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة والمنصوص عليه في عدة اتفاقيات دولية معنية بحقوق الإنسان, كما هو الحال في اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية (المادة 1) ومع وضوح مثل هذه الخروقات أو الالتباسات التي تثير الكثير من المشاكل على المستوى القانوني يلاحظ ان السلطة التشريعية قد تراخت في معالجة مثل هذه الخروقات التي تضر بمصلحة الشعب العراقي.
4.خالف قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 ما ورد في المادة (6) من الاتفاقية العربية للجنسية التي نصت على (لا يقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بموافقة حكومته وتزول عنه جنسيته السابقة بعد اكتسابه الجنسية الجديدة) مع ضرورة ملاحظة ان هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ رغم انها أبرمت عام 1954 بعد أن وافق عليها مجلس جامعة الدول العربية ووقعت من جانب العراق بتأريخ 12/5/1955 إلا انه لم يصدق عليها حتى الآن، والجدير بالذكر ان قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 قد ألغي وبأثر رجعي بموجب المادة (21/ ثانياً) من قانون الجنسية العراقية النافذ رقم 26 لسنة 2006 التي نصت على (يلغى قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 وبأثر رجعي إلا إذا أدى ذلك إلى حالة انعدام الجنسية) وهذا نص يتعارض مع المادة (2) من قانون الجنسية العراقية النافذ ذاته التي ثبتت الجنسية العراقية لكل من حصل على الجنسية العراقية بموجب قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 الملغى وقانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 وقانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل (الخاصة بمنح الجنسية العراقية) وما تقدم من أمور يظهر العجالة وحالة الفوضى التي عولجت فيها المسائل المتعلقة بالجنسية في العراق بعد الاحتلال العسكري الامريكي.
    من جانب آخر تتعارض نصوص هذه الاتفاقية مع مبدأ ازدواج الجنسـية الذي أقـرته المادة (18/ رابعاً) مـن دستور عام 2006 صراحةً، والمادة (9/ رابعاً) من قانون الجنسية النافذ وإن كان بصيغة أقل وضوحاً. وإذا كانت الاتفاقية العربية للجنسية لم يصدق عليها من جانب العراق فإن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 قد صادق عليها العراق في التسعينيات من القرن المنصرم وفيها من النصوص ما يتعارض مع حالات فقد الجنسية بالتبعية المنصوص عليهـا في المادة (13) من قانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 الملغى والمادة (14/ ثانياً).
   صفوة القول المستخلص مما تقدم من أمثلة يتمثل بضرورة مراعاة التزامات العراق الدولية عند تشريع القوانين وهذا ما يستلزم توافر قاعدة معلومات أساسية عن الاتفاقيات الدولية التي عبر العراق عن التزامه بها ليتسنى مراجعة مشاريع القوانين بالمقارنة مع نصوص هذه الاتفاقيات لضمان انسجام التشريع الداخلي مع الالتزامات الدولية لبلاد ما بين النهرين حيث الجمال والخيال والنخيل والانهار.


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع