القائمة الرئيسية

الصفحات

الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية (ح : 1) د. حيدر أدهم الطائي



الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية (ح : 1)
د. حيدر أدهم الطائي


الهوية القومية والدينية في النصوص الدستورية العراقية
د. حيدر أدهم الطائي

في عالم اليوم من الصعب أن نجد دولة واحدة في هذا الكون يعتنق أبناؤها ديناً واحداً أو أن شعبها يتكون من من قومية واحدة, فالتنوع الديني والقومي يكاد يكون القاسم المشترك والجامع للكافة، لا نقول لأغلب دول العالم بل لجميع دول العالم دون استثناء ومن هنا تنشأ صعوبة التطرق لهذا الموضوع على المستوى القانوني، سواء في القوانين أو التشريعات العادية أو اذا تعلق الأمر بالدساتير والوثائق الرسمية ذات الطابع القانوني الأخرى التي تحمل مضموناً دستورياً أي أنها تتمتع بالعلو والسمو على قواعد قانونية أخرى تصنف في مرتبة ادنى بسلسلة الهرم القانوني في الدولة، والحقيقة أن الظاهرة الدستورية وعندما تؤطرها الهوية القومية أو الدينية في بلد ما إنما هي تتعامل مع نوعين من العناصر، أو هي تتألف من نوعين من العناصر يتضمن كل منها نوعين من العناصر او الاعتبارات الفرعية، وأول هذه العناصر الفرعية يعبر عن حقيقة واقعية تعكسها الظروف المحيطة بالإنسان في الجماعة، وقد تكون هذه الظروف ذات طابع مادي أو تكون ذات طابع معنوي كما إن هناك حقائق تاريخية تعبر عنها مجموعة من السلوكيات أو القواعد التي جرى عرف الجماعة البشرية على احترامها والعمل طبقاً لحكمها وهي تستمد جانباً مهماً من قوتها الملزمة من تقادم الزمن عليها مما ترتب عليه رسوخها في ضمير الجماعة.
العنصر الرابع يعبر عن حقيقة عقلية تتكون من القناعة العقلية بمجموعة الحقائق الواقعية والتاريخية والمثالية التي تساهم في الوصول إلى صياغة مقبولة للقاعدة الدستورية تعبر من خلالها عن حاجات المجتمع السياسي، بينما يتكون العنصر الرابع من حقائق مثالية تتجسد فيما يطمح إليه الإنسان من ضرورة السعي إلى تحقيق نتائج ذات ملامح أو مكونات متكاملة على كافة المستويات.


اولا:الهوية القومية للعراق
إن العناصر المذكورة الواقعية منها والمثالية تمثل حقيقة المشكلة الدستورية عندما يقوم المشرع بصياغة قاعدة دستورية معينة، ففهم الفرض على اساس من تفاصيل الحياة في المجتمع أساس مهم لتحديد الحكم.
وفي ضوء ما تقدم تعاملت الدساتير العراقية ابتداءاً من دستور عام 1925 الملكي وحتى صدور قانون إدارة الدولة العراقية ودستور عام 2005 ايضا مع الهوية القومية والدينية للعراق، حيث تضمنت هذه الدساتير نصوصاً متعددةً عبرت عن اتجاه المشرع وقناعاته السياسية في المراحل التاريخية المختلفة التي ارتبطت بصدور هذه الدساتير، فدستور عام 1925 الملكي لم يتضمن إشارة إلى الهوية العربية للعراق رغم أن الملك فيصل الأول  "رحمه الله"  كان أحد زعماء الثورة العربية الكبرى، حيث اكتفت المادة الثانية من هذا القانون بالتأكيد على أن (العراق دولة ذات سيادة وهي مستقلة حرة، ملكها لا يتجزأ ولا يتنازل عن شيء منه، وحكومته ملكية وراثية وشكلها نيابي) الامر الذي عكس فهما وطنيا عراقيا الى حد كبير يتجاوز الانتماءات الاخرى نظرا لطابع التنوع الذي يعكسه المجتمع العراقي, وهو في ذلك لا يختلف عن باقي المجتمعات في دول العالم.
وبعد انهيار النظام الملكي وصدور دستور 27 تموز 1985 المؤقت تمت الإشارة بنص صريح إلى الهوية العربية للعراق، فضلاً عن إشارة إلى الوجود الكردي فيه، فالمادة الثانية من هذا الدستور نصت على (العراق جزء من الأمة العربية) أما المادة الثالثة منه فنصت على (يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية)
ويلاحظ على هذين النصين الواردين في اول دستور ملكي واول دستور جمهوري الآتي:
1.إن المادة الثانية قد حسمت موضوع الهوية العربية للعراق عندما نصت صراحة على اعتبار العراق جزء من الأمة العربية، وبهذه المادة يكون دستور 27 تموز المؤقت لعام 1958 أول دستور عراقي صدر في عهد الدولة العراقية الحديثة، يتطرق لموضوع الانتماء القومي للعراق بينما لم نجد اشارة الى هذا الجانب بذات المستوى في النظام الاساسي الصادر عام 1925.
2.التفتت المادة الثالثة من دستور 1958 المؤقت إلى حقيقة وجود جزء مهم من الشعب العراقي ينتمي إلى القومية الكردية، فعمل واضعو هذا الدستور على الاعتراف بهذه الحقيقة عندما نص على أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية, في حين عكست الممارسة السياسية في ظل النظام الملكي احتراما كبير لحقوق الاقليات عموما في فترة ربما تعد الاصعب في تاريخ الدولة العراقية حيث البدايات الاولى للتاسيس.
3.استخدم واضعو دستور 1958 المؤقت مصطلح (شركاء) لوصف العلاقة بين القوميتين الرئيسيتين اللتين يتكون منهما الشعب العراقي, وهما القومية العربية والقومية الكردية، وهو مصطلح يستخدم في إطار القانون الخاص، وربما يثير العديد من الإشكالات والتساؤلات القانونية عند نقله واستخدامه في نص دستوري ينتمي إلى قمة هرم وثائق القانون العام.
4.أكد النص ذاته على أن الدستور يقر الحقوق القومية للأكراد ضمن الوحدة العراقية, وهو نص موجز أو مختصر حيث يتم تحديد ماهية الحقوق القومية المعترف للأكراد التمتع بها ضمن الوحدة العراقية، أما على المستوى العملي فقد شهدت المناطق الكردية في ظل تطبيق دستور 1958 المؤقت حركة مسلحة منذ مطلع الستينيات مما يعني فشلاً على المستوى السياسي في حل لغز المشكلة الكردية في العراق.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع