القائمة الرئيسية

الصفحات

التوصيف الفلسفي للنظام السياسي في العراق التهليلي د. حيدر ادهم الطائي



التوصيف الفلسفي للنظام السياسي في العراق التهليلي
د. حيدر ادهم الطائي


التوصيف الفلسفي للنظام السياسي في العراق التهليلي
د. حيدر ادهم الطائي
   عرف عن الفيلسوف والسياسي الفرنسي "بيير جوزيف برودون" عندما طرح دستور عام 1848 للتصويت قوله "صوت ضد الدستور لانه دستور" فهو لم يصوت لمصلحة انفاذ هذه الوثيقة القانونية والسياسية في فرنسا  اثناء عضويته في البرلمان الفرنسي مع ثلاثين نائبا اخرين بدافع من قناعاته الفكرية نتيجة لاعتناقه الفلسفة التشاركية ورفضه للسلطة بل انه اول فرد اطلق على نفسه وصف "لاسلطوي" كما انه كان يرى في الملكية نوعا من السرقة فضلا عن دعوته لالغاء الدولة. ومبعث الغرابة بالنسبة للحالة في العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي التهليلي ان روح "بيير جوزيف برودون" كانت حاضرة اثناء كتابة مشروع دستور العام 2005 لا بالتوجهات الفكرية المعبر عنها في النصوص الدستورية لكن من خلال الظروف المحيطة بالعراق في تلك الفترة, وبلجنة كتابة الدستور حيث تواجدت مختلف التيارات الفكرية على تباين واضح في حجم التاثير السياسي وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي في النصوص المعتمدة, والتي طرحت على الاستفتاء نهاية العام 2005 فانا لا استطيع ان اتصور مطلقا ان هؤلاء كانوا يريدون تكريس نوع من الفوضوية بمعناها السلبي "بما تؤدي اليه من نتائج غير مرغوبة او اثار غير ايجابية لا تنسجم مع طبيعة البشر في اي مجتمع" لكنهم ربما مالوا الى التمسك بفوضوية مبنية على توقع نتائج ايجابية من خلال الممارسة السياسية لكن الحقيقة ان شيئا من ذلك لم يتحقق ابدا في السنوات التي اعقبت عملية كتابة الدستور ونفاذه في العام 2006  وبهذا الشكل انعكست المرجعيات الفكرية لمجموعة من الذين شاركوا في كتابة الدستور على الخيارات المتبناة فيه, وهي خيارات غير واقعية لا تقبل التطبيق لانها تحتاج الى درجة عالية من الوعي السياسي والاحساس بالمسؤولية تجاه الناس فضلا عن ضرورات توافر نسب مرتفعة من الوطنية لدى الكافة, وهو امر لا اعتقد انه كان متوافرا لدى البعض ايام كتابة مشروع الدستور ولا هو متوافر حتى الان على اقل تقدير.
   ان الدساتير في دول العالم المختلفة بما تتضمنه من توجهات سياسية واقتصادية واجتماعية غالبا ما  توصف بانها عبارة عن وثائق نصر لقوى سياسية على حساب قوى سياسية اخرى, ولا نستثني الحالة في العراق, بعد الاحتلال الامريكي في العام 2003 وبعد ما يقارب السبعة عشر عاما مضت على الاحتلال ما زالت الدولة العراقية القائمة في بلاد ما بين النهرين تتخبط وسط الفوضى بانواعها وبمستويات عالية من التشرذم وعدم الوضوح الناجم عن عدم ملائمة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المذكورة لواقع العلاقات البشرية القائمة بين العراقيين انفسهم, وتنطبق هذه الحقيقة على واقع العلاقات بين القوى السياسية, وهي ذاتها قوى المعارضة للنظام السياسي الذي كان قائما قبل العام 2003, ربما نتيجة عدم قدرت هؤلاء على الفصل بين مفهوم الدولة من جهة ومفاهيم الدين والقومية والطائفة من جهة اخرى مع ما ترتبه هذه المفاهيم من استحقاقات, وبهذا المعنى فان هذه المفردات تتضمن محتوى يفيد تبني خيارات قانونية ذات طبيعة دستورية كرستها الممارسة السياسية "بالوصف السلبي" عبرت عن شكل من اشكال الفوضوية "وانا استخدم هذه المفردة بمعناها الايجابي كونها قد تعبر بموجب المعنى بالوصف المذكور عن درجة من درجات المثالية" مما انعكس سلبا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للناس, فليس كل دواء صالح لعلاج كل داء, والفوضوية بهذا المعنى لا نجدها عند السيد "بيير جوزيف برودون" فقط لكنها متجذرة حتى في ميدان التوجهات السياسية التي عرفها تاريخ الصراع السياسي بين المسلمين منذ عصر الخلافة الراشدة عندما تبنت فرقة "النجدات" وهي احدى فرق الخوارج الغالية اتباع "نجدة بن عويمر" فكرة مؤداها عدم الحاجة الى حاكم "امام" لاعتقادهم ان الواجبات الدينية فضلا عن الواجبات الاخلاقية تعد بديلا كافيا عن الدور الذي تقوم به الحكومة في اي مجتمع, وبهذه الاساليب او الاليات الدينية والاخلاقية, التي تنفي بالنتيجة اهمية قواعد القانون او الحاجة اليها بما تتميز به هذه القواعد من ارتباطها بعنصر الجزاء الذي يفرض من السلطة العامة, يمكن ان يتحول الناس الى السلوك الصحيح حيث لا تعد السلطة ضرورية في المجتمع, وهذه التوجهات "المثالية !!!!" في التفكير بما تؤدي اليه من نتائج سلبية هي التي انتهينا اليها في العراق التهليلي, ذلك ان المستوى الرفيع الذي يتطلبه البناء السياسي القائم على درجة عالية من "اللامركزية" التي جرى اعتمادها في ظل دستور العراق النافذ سواء تعلق الامر بشكل الدولة, او بشكل النظام السياسي, او بشكل النظام الانتخابي, او بشكل النظام الحزبي, من الامور التي تقتضي بدورها درجة عالية من الالتزام الاخلاقي لضمان حسن سير مؤسسات الدولة, الامر الذي لم يتمتع به المعنين في العراق الفيدرالي التعددي الديمقراطي التهليلي!!!!
   المعنى الاخر قد يبدو معاكسا لما تقدم. اي اننا سنفترض في هذه الحالة تحقق شكل من اشكال الخلل في النصوص الدستورية المعبرة عن مجموعة خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية تجاوزها واقع العلاقات في المجتمع السياسي العراقي بحيث ينطبق الوصف السلبي على النصوص دون واقع العلاقات المذكورة بين العراقيين في مجتمعهم المتنوع بتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهو تنوع ناجم ايضا عن تباين الانتماءات الدينية والقومية والطائفية والثقافية مما ينعكس على حقيقة حياة الانسان وتعاملاتهم مع الاخرين سلبا مرة وايجابا مرة اخرى. والمعنى الاخير اطرحه بحيث يعبر عن وصف "سلبي" للتوجهات الفوضوية التي ظهرت على مستوى الممارسة في ظل الدستور العراقي النافذ عام 2006 حيث لا اجد استخدام مفردة "المثالية" مناسبة للتعبير عن واقع ما الت اليه الاوضاع في العراق الفيدرالي حتى في ظل فوضوية "بيير جوزيف برودون" مع ضرورة الاشارة الى ان ما الت اليه الاوضاع في العراق من سيطرة الفوضى على مقدراته انما هو خيار او بدلة مهلهلة عرضت امام حكومة البعث من جانب القوى السياسية الكردية بعد انهيار نظام عبد الكريم قاسم في العام 1963 لكن حكومة بغداد رفضت ارتداء تلك البدلة في حينها.


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع