القائمة الرئيسية

الصفحات

المسؤولية الجزائية للمؤسسة المالية في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العراقي بقلم : علاء كريم عاصي الجحيشي معهد العلمين للدراسات العليا




المسؤولية الجزائية للمؤسسة المالية في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العراقي
بقلم : علاء كريم عاصي الجحيشي
معهد العلمين للدراسات العليا


المسؤولية الجزائية للمؤسسة المالية في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العراقي
بقلم : علاء كريم عاصي الجحيشي / معهد العلمين للدراسات العليا

       أزداد الإهتمام في الآونة الأخير بظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ تٌعد من أهم المخاطر غير المنظورة التي تهدد إستقرار النظام الإقتصادي والأمني والسياسي العالمي، إذ واكب ظهور أنماط الإجرام الدولي المنظم إهتمام الجماعات الإجرامية لإبتكار الوسائل المحققة لإضفاء الشرعية الظاهرية على مصدر أموالهم غير المشروعة المتحصلة من جراء جرائمهم وذلك عن طريق إخفاء أو تمويه مصدرها الحقيقي غير المشروع، وغالباً ما تتمثل هذه الوسائل من خلال المؤسسات المالية المصرفية وغيـر المصرفية المتمثلة في عمليات الإيداع والسحب والتحويل  للأموال فيما بين الحسابات المصـرفية المختلفة في الداخل أو عبر الحدود الوطنية أو دمج تلك الأموال في أصول ثابتة أو منقولة سـواء بــالبيع أو بالشراء أو بالـــدخول بها في مجالات الإستثمار المختلفة، وإستطاعت هذه الجماعــات النفــاذ إلى ميــادين مختلفــة تــم إستغلالها لتحقيق مآربها أبرزها المؤسسات المالية .
       تعد المؤسسات المالية المـلاذ الآمن والمنفذ الرئيس لغاسلو الأموال لإيداع تلك الأموال غير المشروعة المتحصلة من جرائم أصلية وتتم بثلاثة مراحل المتمثلة بمرحلة الإيداع ومن ثم التمويه أو التعتيم وأخيراً مرحلة الدمج، لتبدوا كأنها أموال مشروعة، لذلك تنبه المجتمع الدولي ومؤسساته المالية والنقديــة لهذا الخطر المحدق بالإقتصاد العالمي، فوضعت توصيات وإجراءات التي يجب على المؤسسات المالية الإلتزام بها، وحثت التشريعات الوطنية إلى تجريم الأفعال التي ترتكبها المؤسسات المالية المخالفة لتلك التوصيات والإجراءات والمبادئ، المتمثلة بعدم مسك السجلات والمستندات لقيد ما تجريه من عمليات مالية و فتح حسابات أو قبول أموال أو ودائع وهمية أو مجهولة المصدر والإمتناع عن الإبلاغ عن المعاملات المالية المشبوهة وأخيراً الإفصاح بمعلومات خاصة للعميل أو المستفيد أو لغير الجهات المختصة، كل هذا من شأنه يساهم ويساعد مهمة غاسلو الأموال لتحقيق هدفهم المنشود.
      لذلك جرمـت الإتفاقيات والمعاهدات الدولية فضلاً عن القوانين الوطنيــة هذه الأفعال التي تقوم بها المؤسسات المالية، وفرضت عليها المسؤولية الجزائية وأوقعت العقوبات المناسبة لها، وشددت العقوبــات على العامـلين فيها، بـغية الحـد من جرائم غسل الأموال ومساعدة الجهات المختصة بالقبض على المجرمين.
       وإن التقّدم العلمـي والتكنولوجي وشبكة المعلومات الدوليـة (الإنترنيت) ساهمت بشكل كبير في ترويج وتسهيل هذه الجرائم، فضلاً عن جرائم تمويل الإرهاب التي لا تقل عنها خطورة، مما أثّـر على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والسياسي لدول العالم، فوضعت توصيات وإجراءات ومبادئ التي يجب على المؤسسات المالية الإلتزام بها لمكافحة هذه الجرائم، إلا أنّ الواقع يكشف أن ثمة صعوبات وعقبات تواجه هذه الجهود، ولا سيما وإن مرتكبي هذه الجرائم يحاولون الإستفادة من معطيات التقدم التكنولوجـي المعاصر بطرق وأساليب مختلفة، منها إستخدام النقود الإلكترونية فضلاً عن مبدأ السرية المصرفية، ويكون للمؤسسات المالية دور كبير في إرتكاب جرائم غسل الأموال؛ لأنها المستودع الرئيس لحفظ المال، الذي يلجأ إليها غاسلو الأموال لإيداع أموالهم غير المشروعة، وبحكم أنشطتها المعتادة، فقد ترتكب جرائم معينة تسمى بالجرائم الملحقة لجريمة غسل الأموال. فضلاً عن آثارها سياسية وإقتصادية وإجتماعية مدمرة فهي تنال من هيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية وتضعف الإقتصاد الوطني فضلاً عن الإضرار بالقطاع الخاص وبمنظومة القيم الدينية والأخلاقية لا سيما وإنها تتضمن جرائم الإتجار غير المشروع بالمخدرات وبالأسلحة والفساد السياسي والإداري والمالي والإتجار بالأعضاء البشرية وبالرقيق الأبيض (النساء والأطفال) والدعارة والجريمة المنظمة، فضلاً عن الأخطار التي تسببها هذه الجرائم، فإن الدول النامية تتضرر ضرراً كبيراً منها ولا سيما وإنها تحاول خلق بيئة إقتصادية إستثمارية مرموقة، فنجد صعوبة التمييز بين رأس المال النظيف من ذلك الناجم عن جرائم غسل الأموال الأمر الذي يدفعنا للتفكير مليا في إبتداع أشكال جديدة لمكافحة هذه الجرائم والعمل على تذليل الصعوبات التي تواجه الجهود الدولية والوطنية بهذا الشأن، وضرورة إلتزام المؤسسات المالية بالواجبات المفروضة عليها بموجب القانون، ولا شك في أهمية تبادل المعلومات والخبرات بين الدول كي تحول دون إنتشار هذه الظاهرة وتعمل على إضعافها وتصعيب فرص نجاحها. 
      وقد قدرت مجموعة العمل المالية الدولية لمحاربة غسل الأموال (FATF) وفق آخر تقاريرها حجم غسل الأموال بحوالي تريليون ونصف التريليون دولار سنوياً، كما قدر صندوق النقد الدولي الحجم المالي لهذه العمليات ما بين 2- 5% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
        فضلاً عن إن المؤسسات المالية هي صمام الآمان لمكافحة جرائم غسل الأموال إذا إلتزمت بالتوصيات والإجراءات والتعليمات المفروضة عليها فضلاً عن إتباع الآليات والمؤشرات التي تدل على تورط العميل بعمليات غسل الأموال، وتدريب العاملين فيها بشكل دوري ومستمر على كشف تلك العمليات، لأن غاسلو الأموال يبذلـون أموال طائلة في سبيل إبتكار أساليب جديدة لا تتمكن المؤسسات المالية والجهات المختصة من كشفها. وفي نفس الوقت تترتب عليها المسؤولية الجزائية إذا خالفت القوانين أو ساعدت في عمليات غسل الأموال.
       فبعد أحـداث عام 2003م، وسقوط النظام الحاكم ومارافقـه من فوضى وسرقة المؤسسات المالية والممتلكات العامة، وبعـد الإنفتاح الإقتصادي الذي شهده العراق المتمثل بالسماح للمستثمر الأجنبـي أن يستثمر في العـراق والسماح له إدخال وإخراج رؤوس الأموال كما سمح له أن يستثمر في المؤسسة المالية المتمثلة بالقطاع المصـرفي وسوق الأوراق المالية عن طريق تكـوين المحافظ الإستثمارية وتأمين، وإعادة التأمين وسوق الصرف الأجنبي، وغيرها من نشاطات المؤسسة المالية، كل هذا جعل العراق مفتوحاً علـى مصراعيه أمام المافيا العالمية لمزاولة نشاطات غسل الأموال وتمويل الإرهاب في العراق. لذلك كان لابد للحكومة العراقية من أن تتخذ الإجراءات بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لذلك صدر قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015.
وأخيراً نقول :-
       إن رسالتنا هذه إنما هي نتاج إرادة إنسانية وهي شأنها شأن أي فعل إنساني لا يخلو من النقصان والثغرات والقصور، لأنها جهد بشري لا يرقى إلى مرتبة الكمال، فالكمال لله سبحانه وتعالى وحده والنقص من صفات البشر، ونجد من المناسب أن نستعين بما هو مأثور عن العماد الأصفهاني :- ( إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده : لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على إستيلاء النقص على جملة البشر).









هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع