القائمة الرئيسية

الصفحات

الية ادارة الازمة ورسم السياسات العامة بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا



الية ادارة الازمة ورسم السياسات العامة
بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا



الية ادارة الازمة ورسم السياسات العامة
بقلم / ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

     نعيش اليوم  في ازمة عالمية اثرت على المجتمع الدولي على نطاق واسع وبشكل لم نشهده من قبل منذ بداية فلا تخلو وسيلة من وسائل الاعلام من اخبار الجائحة وما رافقها من ازمات اقتصادية واجتماعية الامر الذي يفرض نفسه على الواقع لتشكيل خلية لمواجهة تلك الازمة واتباع سياسات تهدف للحد من تأثيرها وعبورها باقل الخسائر بما يحقق درء خطرها والتحصن ضد تأثيراتها المختلفة، وتأسيسا على ذلك اصبح لزاما على الدول التعامل معها وفقا لمبدأ ان معظم الازمات تستدعي التعامل معها وفقا لمنهج علمي وفكر اداري يسيطر عليها ويتجنب سلبياتها وهو ما يحقق نتائج ايجابية فانعدام المعرفة لدى متخذي القرار واللجوء للارتجالية والعشوائية قد يحمل في طياته نتائج مدمرة لكيان الدولة والمجتمع والحاق الضرر بهما وانطلاقا من هذه القناعة تلجأ الدول لتشكيل خلايا ازمات لإدارتها.
      اذن ان ادارة الازمة هي عملية ادارة علمية تقوم على البحث واستخدام العلوم المناسبة والتوجيه والرقابة ولا سيما ان ذلك يرتبط بمدى الاستعداد والجهوزية لاتخاذ القرارات في ظروف الازمات او قبل حدوثها ومواجهة الطوارئ لتكون تلك الازمة نقطة تحول مصيرية في مجرى الامور وهي ما قد تتميز بتحسن ملحوظ او تأخر اثرها فتورث تغيرات كمية ونوعية في الحدث.
      وبالرجوع للأصل التاريخي لمصطلح الازمة  نجد انها ترجع للطب الاغريقي اذ كانت تستخدم للدلالة على لحظة اتخاذ  القرار الحاسم في حياة المريض ليشيع استخدام هذا المصطلح منذ القرن السابع عشر دلالة على ارتفاع التوتر في العلاقة بين الدولة والكنيسة وبحلول القرن التاسع عشر بات استعمال المصطلح للدلالة على التغيرات والمشكلات التي تظهر في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اما في عام 1937 فقد عرفت دائرة معارف العلوم الاجتماعية الازمة بانها: (حدوث خلل مفاجئ وخطير في العلاقة بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الاموال) ليشيع استعمال هذا المصطلح تبعا لذلك بين مختلف فروع العلوم الانسانية ليكون مفهوم يعني (مجموعة من الظروف والاحداث المفاجئة المنطوية على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الاشياء وهي النقطة الحرجة والحاسمة التي يتحدد عندها مصير او تطور معين اما الى الافضل او الاسوأ) اما الاستاذ (Alaster Buchan) فقد عرف الازمة في كتابه (ادارة الازمات) بانها: (تحد ظاهر او رد فعل بين طرفين او عدة اطراف حاول كل منهم تحويل مجرى الاحداث لصالحه) اما (  Coral Bill) فهي تعرفها في كتابها (اتفاقيات الازمة) بانها: ( ارتفاع الصراعات لمستوى يهدد بتغيير طبيعة العلاقات بين الدول) اما (Robert North) فهو يشير الى : (ان الازمة عبارة عن تقييد حاد للفعل ورد الفعل فهي عملية انشقاق تحدث تغيرات في مستوى الفعالية بين الدول وتؤدي لإذكاء درجة التهديد والاكراه) لنجد ان نورث هنا يشير الى أن الازمات غالباً ما تسبق الحروب وان كانت لا تؤدي كلها لنفس النتيجة لذا وفقاً لما تقدم فالأزمة هي موقف مفاجئ يمثل تهديداً لمصالح وقيم حيوية, الامر الذي يتطلب تحركاً سريعاً للحفاظ على المصالح باستخدام وسائل الضغط كافة وبمختلف المستويات سواء كانت سياسية او اقتصادية او عسكرية ، لتظهر ادارة الازمة كموقف انساني في التعامل مع المواقف الطارئة, التي لم تكن قديماً تعرف بهذا الاسم بل عرفت بمسميات أُخر كبراعة القيادة او حسن الادارة وهي ما كانت تمثل المحك الحقيقي للقدرة على مواجهة الازمات والتعامل معها وما يفرز عنها من مواقف حرجة ويتفجر تبعاً لذلك طاقات ابداعية تستنفر القدرة على الابتكار فكمفهوم بسيط لإدارة الشيء هو التعامل معه للوصول لأفضل ما يمكن من نتائج بما يحقق مصلحة السلطة القائمة على الادارة, لذا فان ادارة الازمة يعني التعامل مع مزيج من الادوات الضاغطة والتوفيقية بما يحقق اهداف الدولة ويحفظ مصالحها الوطنية عبر تطبيق مجموعة من الاجراءات والقواعد والحلول المبتكرة لتجاوز الاشكال التنظيمية المألوفة او الاساليب الروتينية للإدارة المتعارف عليها بما يهدف للسيطرة على الازمة والتحكم فيها وبما يتوافق ومصلحة الدولة ليكون الحديث عن ادارة الازمات على رأس قائمة المواضيع الحيوية منذ عام 1962 منذ الازمة الكوبية وتصريح وزير الدفاع الامريكي آنذاك ومن ثمَّ : (لان يدور الحديث عن الادارة الاستراتيجية وانما ينبغي ان نتحدث عن ادارة الازمات)  لذلك فإدارة الأزمة تعني القدرة على خوض الصراع على كافة الاصعدة بتكلفة مقبولة دون التضحية بمصلحة او قيمة جوهرية وهو ما يتطلب العمل على تقدير الازمة وتحديدها بشكل دقيق عن طريق خلية الازمة واطراف ادارتها والتي تقوم بتحليل الازمة وعناصرها المختلفة للوصول للعوامل التي تكبح الازمة وصولا لمواضع الاستقرار عبر تحليل طبيعة الخطر الناتج عنها وتكاليف استمرارها واعبائه ومدى تأثير ذلك على الوضع العام وبعد ذلك يتم تحويل تلك المعطيات لاستخراج نتائج وحلول كلية وجزئية لتقليل احتمالات الخطأ بمواجهة الازمة فالإدارة الناجحة تعني تطبيق سياسات متوسطة او طويلة الامد تمنع من انتشار تأثيرها او تحد منه مع ملاحظة دقيقة ودائمة لتطورات الامور في ضوء التغيرات الحاصلة ضمنها وهو ما يتحقق بمعرفة واقعها ليكون كأساس استراتيجي لإدارتها والذي يفترض ان يكون ذو بعد تخطيطي طويل الامد يحدد التقنيات المطلوبة ويتقارب مع القطاعات المفترض تعاونها مع بعض خلال ادارة الازمة لضمان تحقيق الاهداف المطلوبة عبر توزيع الادوار على الاطراف المساهمة في ادارتها والتأكد من استيعاب كل منهم لدوره فيها والقيام بالمهام الموكلة اليهم بتتابع زمني للسناريو الموضوع لمعالجة الازمة وافرازاتها والسيطرة على الامر بشكل فعال مع حشد ما يتطلبه عملية مواجهة الازمة من احتياجات تتطلبها طبيعة الحال، وبما ان نجاح ادارة اي ازمة يتعلق بالوقت وهو أهم نقطة في النجاح في ادارتها فالوقت المتاح لاتخاذ القرارات هو وقت قصير يتطلب تدخلاً سريعاً لصنّاع القرار, الذي يتكون من فريق عمل متجانس يعرف بعضه الآخر ليعمل بسرعة وفعالية اكبر من الحالات العادية وهو ما يقيس مدى نجاح خلية الازمة في مهامها في ادارة الوضع ففعالية الخلية هو ما يعتمد عليه في النجاح لعبور الازمة باقل الخسائر دون الميل للمجازفة ليكون التشخيص الدقيق هو مفتاح التعامل معها, الذي يتحقق بوفرة المعلومة والخبرة وكيفية معالجة الازمة عبر التشخيص الدقيق وكيفية التعامل مع الاوضاع وهو ما يتحقق بكفاءة من يتولى ادارتها وتعاطيه لاحتوائها وامتصاص الضغوط الناتجة عنها ولا سيما ان الازمة دائما تتطلب معالجات سريعة وحاسمة ولن يتحقق ذلك بلا تشخيص مسبق لوضع العلاج المناسب وهو ما يتطلب في الظروف الطارئة السرعة والدقة والكفاءة تحت تأثير ضغط متواصل لمنع تداعياتها وهو ما نجده على أرض الواقع قد تحقق عبر تحقيق التعاون والتفوق في السيطرة على الاحداث وتأمين الارواح بالمواجهة السريعة وهو ما تحقق بتوافر روح معنوية مرتفعة ورباطة جأش وهدوء أعصاب وتماسك تام لامتصاص الضغوط الناتجة عن تطورات الاحداث لتكون عملية الادارة رشيدة وسلسة ومتكاملة في اطار معرفي متكامل والاعتبار من التجارب السابقة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع