القائمة الرئيسية

الصفحات

تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية واثرها على الاقتصاد العراقي بقلم / إيناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا




تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية واثرها على الاقتصاد العراقي
بقلم / إيناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا



تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية واثرها على الاقتصاد العراقي
بقلم / إيناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

       تمثل الجائحة التي اجتاحت العالم وما رافقها من تداعيات اقتصادية أسوء أزمة مرت على الاقتصاد العالمي منذ الازمة الاقتصادية التي عانا منها العالم منذ أقل من عقدين عام 2008 , التي شكلت أكبر اضطراب مالي منذ الكساد الكبير ولا سيما ان ازمات كتلك ينتج عنها انكماش الاقتصاد في ظل مخاطر تلوح في الافق للشركات والمستثمرين والأسر كوحدة في المجتمع الانساني والاقتصادي وعلى الرغم من ذلك تجاهل المجتمع الدولي تلك الازمة وقلل من أهميتها وأثر المضي قدماً في السياسة الاقتصادية العالمية على الرغم من الازمة آنذاك تطلبت شطب ما يزيد على (2) تريليون دولار من المؤسسات المالية لوحدها بنمو مفقود يزيد على (10) تريليون دولار وهو ما كان يعادل سدس الناتج المحلي الاجمالي العالمي في عام 2008, ومع تقلص الانتاج المحلي الذي كان الأول على الاطلاق من حيث القيمة الحقيقية ليحتاج الأمر لعودة موثوقة للنمو من جديد عقد من الزمان للنمو من جديد في منطقة اليورو والولايات المتحدة، في حين استمر اجمالي الدين للاقتصادات المتقدمة 106% عام 2016 مقارنة 72% عام 2007 وعلى الرغم من البطالة بدأت تنخفض في أوربا بشكل عام باستثناء اسبانيا واليونان بشكل كبير إذ غيرت تلك الأزمة آنذاك بنية صنع السياسات الاقتصادية عبر لجوء الدول للقيام بدور رئيس في تنظيم النظام المالي وإدارة السياسة النقدية باستخدام وسائل جديدة كالتيسير الكمي واختبار الضغط للبنك على الصعيد الدولي بالتنسيق مع مجموعة العشرين, التي تعد ( كمتجر النقاش) لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية ليكون له تأثير اوسع من الشرعية لمجموعة (G7 ) من البلدان إلا أن ذلك لم يمنع الدول من اللجوء لبرامج التقشف لتحقيق الضبط المالي لإصلاح الهيكل الاقتصادي والتي غالبا ما تترافق بارتفاع نسب البطالة وانخفاض الخدمات العامة وخفض مستوى الدعم المتاح لأضعف شرائح المجتمع دخلا وهو ما ترافق بتضخيم اسعار بعض الأصول المالية بشكل مصطنع.
     إلا أن تلك الاجراءات أبرزت اخفاق ذلك  التحليل الاقتصادي في وضع الحلول بدقة ومهنية وهو برز على أرض الواقع مع أول أزمة صحية ظهرت على الصعيد العالمي وظهور تحديات اقتصادية جديدة تمثلت في انخفاض اسعار النفط في وقت ما زال ارث الازمة المالية الماضية عالقاً في الاذهان وما ترافق معه من شك في قدرة ادوات السياسة على عبور الازمة.
     وبالمقارنة مع ازمة عام 2008 – 2009 نجد أن تفشي الجائحة وضع الاقتصاد العالمي في وضع الانكماش وفي بعض المجالات تيبب الفيروس بانهيارها كليا ليعيد تفشي الفيروس للذكريات الاضطراب الاقتصادي العالمي ليؤدي هذا الوباء الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص حول العالم لتوقف الاقتصاد العالمي بوضع ملايين الأشخاص تحت الحجر وهو ما يبين قتامة الوضع عن ما حدث في عام 2008 مع توقعات مبشرة بتعافي الاقتصاد في النصف الثاني من العام اذا ما تلاشى الفيروس وهو ما لا يمكن التعويل عليه فقد وجه الفيروس ضربات موجعة لصناعة الطيران وأسواق النفط مقارنة بالأزمات السابقة فصناعة الطيران عانت من توقف السفر الجوي في ظل اجراءات غلق الدول لحدودها ومجالاتها الجوية مما هدد بإفلاس معظم الشركات وهو ما وصفه (اليكس كروز) الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية البريطانية بانه أزمة ذات أبعاد عالمية وعده الحدث الاكثر خطورة عالميا وهو ما يعني فشل عدّة من الشركات وخروجها من سوق هذه الصناعة، أما أسواق النفط فليست بالأفضل في ظل الانخفاض الاكبر للاستهلاك العالمي للنفط وهو ما كان نتيجة لحظر السفر واغلاق المصانع والاجراءات المتخذة لاحتواء الفيروس وهو ما ادى لتراجع الطلب على النفط بخسارة ما يقارب من مليون برميل يوميا وبحرب الاسعار المنخفضة التي لجات اليها بعض الدول واغراق الاسواق بخام رخيص وهو ما يتوقع زوال اثاره اذا ما خفت القيود المفروضة تبعا لتلاشي الفيروس، أما سوق التعاملات العقارية فلم يكن بالأفضل فأزمة الوباء اثرت بشكل كبير على الشركات العقارية التي لم تكن بوضع الاستعداد لمواجهة الازمة برأس مال غير كافي لتحمل الصدمة الناتجة عنها ولا سيما انها اضطرت لتأجيل جمع الديون العقارية, الأمر الذي دفعها لإعادة تنظيم سياساتها وما يتلائم مع الوضع الراهن عبر تأجيل سداد بعض الديون والسيولة الاضافية  وتخفيض سعر الفائدة مع احتمال تعثر سداد الديون السيادية للدول, التي تعاني من حالات حجر لاحتواء انتشار الفيروس لينظر الى البنوك حالياً كألية للانتقال للتأكد من الأموال تجد طريقها للشركات والمستهلكين لإبقائهم واقفين على اقدامهم حتى تتحسن الأمور، وهو ما قلل من اهميته بعض الخبراء الاقتصاديين باعتبارهم ان الازمة الاقتصادية الحالية هي أزمة مؤقتة سيكون لها آثار سلبية أقل أهمية وطويلة الامد على الاقتصاد العالمي من الازمة المالية العالمية السابقة ولا سيما ان ما لا يتم انفاقه اليوم بسبب عدم الخروج لتجنب الاصابة بالفيروس سيتم انفاقه مستقبلا وهو ما يظهر بالعودة للمعطيات السابقة من تفشي الفيروس والكوارث الطبيعية.
   إلا أن ما يلاحظ ان الازمة قد جاءت في وقت كانت يمكن ان توصف بالداخلية بسبب التوترات بين الصين والولايات المتحدة الامريكية اكبر اقتصاديات العالم وهو ما تشوه الاقتصاد العالمي ولا سيما اننا نواجه انقطاع هياكل الانتاج والتي هي من حيث المبدأ سليمة بشكل اساسي لذا ففرص الخروج من هذا الركود هي باحتماليات افضل من تلك التي كانت عليه في  الازمة المالية العالمية إلا أنه ومع انباء عن انهاء عمليات الاغلاق مع السيطرة على تفشي المرض سيتم رفع القيود تدريجيا مما يمنح فرصة عودة الحياة لطبيعتها ببطء وهو ما يعيدنا لسناريو ان النشاط الاقتصادي سيتعافى في النصف الثاني من عام 2020 وهو ما سيمنح الاقتصاد العالمي ظروف مؤاتيه للتعافي والتسارع مرة أخرى بمجرد تلاشي الفيروس وهو ما يمكن ان يمثل طفرة اقتصادية تمحي اثار الازمة الحالية في حين ينظر البعض لمستقبل اكثر قتامة لما يمكن ان يبدو عليه الاقتصاد العالمي بانتهاء الازمة واتجاه الدول لتعزيز اقتصادياتها الذاتية لتبتعد عن الاثار السلبية بالاعتماد على الغير في إدارة أساسيات مجتمعاتها والابتعاد عن سلاسل التوريد الضخمة الممتدة حول العالم بما يمكن القول عنه الاتجاه لصنع الاشياء في المنزل.
    أما في العراق فالأمر ليس بالمختلف عن الازمات التي تمر بها الدول الاخرى في العالم مع وجود ازمة فعلية قبل انتشار الفيروس الذي صعب الامر في ظل واقع ان الدولة تعتمد في ايراداتها على النفط الذي يواجه انخفاضاً ملحوظاً في الأسعار في ظل سياسة اغراق السوق التي تعتمدها بعض الدول, الأمر الذي صعب الوضع الاقتصادي  المتأزم مسبقا لتاتي الازمة وما تتطلبه من تكاليف لمواجهتها وتزيد الحمل على الدولة في ظل فرض الحظر وما ترافق من اثار سلبية تركت اثرها على الشرائح التي لا تملك دخلا ثابتا في ظل فرض التباعد الاجتماعي وغلق المحلات والعديد من النشاطات التجارية وهو ما يدفع لإيجاد وسائل تمنع الافلاس الحكومي والاضرار المالية طويلة الأمد على الاقتصاد الوطني وفي الوقت المناسب فبمجرد انتهاء الازمة سنحتاج الى الاستثمار في البنية التحتية الصحية العامة مع بناء قدرات احتياطية بما يوفر فرصا لانفاق الاموال بشكل منتج وخلق وظائف تستوعب الطاقات الغير عاملة في المجتمع.
    وعلى الرغم من ذلك قد نجد ان تأثير الازمة في المجتمع العراقي افضل بكثير من دول أخرى والذي قد يرد بالدرجة الأولى للتكافل الاجتماعي الذي ظهر بين افراد المجتمع وبشكل ليس بالجديد على المجتمع العراقي اضف الى ذلك ان الوضع الاقتصادي في العراق يمكننا القول عنه انه في حالة طوارئ دائمة بين كر وفر وهو ما انعكس ايجابا بتأثير الازمة على المجتمع العراقي.
    اما على الصعيد الحكومي فدولة مثقلة بالالتزامات والديون بات الفيروس التاجي يهدد الاقتصاد الوطني الذي يعاني من نقاط ضعف مختلفة ازمات مركبة والتي يصفها المختصون بخمس ازمات مجتمعة معا مما يجعل الوضع الاقتصادي صعب جدا ولا سيما ان موضوع تعظيم الموارد في ظل الوضع الراهن امر غير ممكن وهو ما يضع الدولة امام حلول محدودة لتجاوز الازمة والتي من بينها اللجوء للاحتياطي البنكي والاقتراض من البنوك العراقية او محاربة الفساد وهو اصعب الخيارات حاليا لعدم توفر الظروف الملائمة لهذا الخيار او اللجوء للإعفاء الجمركي لبعض الدول للمنافذ الحدودية او تحويل ادارة تلك المنافذ لجهات تستطيع السيطرة عليها كجهاز مكافحة الارهاب او اللجوء للادخار الاجباري ليكون احدى الطرق التي تم مناقشتها والتي واجهت جدلا بمن سيطبق عليه القرار ولا سيما ان أغلب الموظفين برواتب محدودة والتزامات كبيرة من ايجارات واقساط ومستلزمات حياتية وعائلية والذي سيدفع الموظف بهذه الحالة اما الى اهمال عمله او اللجوء للوسائل غير المشروعة لزيادة دخله.
    وهو ما يبرز نقطة الضعف الرئيسة للاقتصاد العراقي الذي يعتمد بنسبة 95% على ايرادات النفط لإدارة الدولة وقرار تخفيض حصص السوق العالمية النفطية وتداعيات ذلك القرار مع انهيار اسعار النفط الحالية وهو ما يفتح الباب على خيارات للحفاظ على النظام المصرفي ومدى اهميته في تعزيز الوضع الاقتصادي والمالي الحالي واعادة النظر في العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة كما هو الحال في الاعفاءات الضريبية ولا سيما ان الموارد الضريبية إحدى أهم الواردات المحلية الداعمة للاقتصاد الوطني على الصعيد المحلي للخروج من الازمة باقل الخسائر والاثار على الوضع المحلي.
  
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع