القائمة الرئيسية

الصفحات

سلطة الإدارة في حماية الصحة العامة (وباء فايروس كورونا COVID-19 انموذجاً) د عمار ماهر عبد الحسن الخفاجي معهد العلمين للدراسات العليا



سلطة الإدارة في حماية الصحة العامة
(وباء فايروس كورونا  COVID-19  انموذجاً)
د. عمار ماهر عبد الحسن الخفاجي معهد العلمين للدراسات العليا


سلطة الإدارة في حماية الصحة العامة (وباء فايروس كورونا  COVID-19  انموذجاً)
د. عمار ماهر عبد الحسن الخفاجي معهد العلمين للدراسات العليا

بتاريخ 30 / 1 / 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ, نتيجة لظهور فايروس كورونا ( COVID-19 ) الذي ظهر في الصين قبل هذا التاريخ ويعتقد بانه بدأ في سوق غير مرخص لبيع الحيوانات البرية لغرض تناولها كوجبات طعام، اذ بلغ عدد المصابين في هذه المدينة لغاية هذا التاريخ ما يقارب (8000) ثمانية الاف انسان, أي ان هذا العدد في الصين وبلغ مجموع المصابين خارج الصين  ما يقارب (مائة شخص) في مدن مختلفة, وقد أعلنت هذه المنظمة حالة الطوارئ لتفادي انتشار هذا الفايروس، لاسيما في الدول المتأخرة صحياً, ولغاية هذا التاريخ, لم تعلن المنظمة أن هذا الفايروس يمثل وباءًعالمي, وانه يجب اتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة، لكن ذلك لا يؤدي الى منع السفر، أو حظر التنقل، و قيام المنظمة بإعلان حالة الطوارئ الصحية, يمنحها سلطة اصدار تنبيهات وتحذيرات الى الدول, ومراقبة الوضع الصحي فيها, وهذه التنبيهات او التحذيرات غير ملزمة للدول، وفي 11 اذار 2020 أعلنت هذه المنظمة بان هذا الفايروس يمثل وباءً عالمياً, نظراً لسعة رقعة انتشاره، وسرعة هذا الانتشار، ووصف المدير العام لهذه المنظمة بان هذا الفايروس يعد بمثابة جائحة.
وفي هذه الحالة يتحتم على الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفشي هذا الوباء الخطير, متخذة في ذلك كافة السبل الكفيلة بالوقاية والعلاج منه، وسوف تكون السلطة التنفيذية (الإدارة) هي المسؤولة عن اتخاذ هذه التدابير، لذلك من الضروري البحث في مدى سلطة الإدارة لاتخاذ ما تراه مناسباً من تدابير وإجراءات للحد ومنع تفشي هذا الوباء.
وقبل الدخول الى صلب الموضوع ينبغي ان نوضح بعض المصطلحات التي تتعلق بهذه الورقة البحثية، إذ قلنا سلطة الإدارة ولم نقل اختصاص، على الرغم من ترابط المعنيين, الا ان هناك فرقاً, وهو ان السلطة هي القدرة او المكنة الفعلية للإدارة, على ممارسة مهامها وأداء واجباتها، اما الاختصاص فهو النص القانوني بمعناه الواسع, الذي يخول الإدارة بتصرف مادي أو قانوني، أو يلزمها بذلك.
كذلك وجدنا من المناسب التعرض الى معنى عبارة جائحة التي ارتبطت او التصقت بفايروس كورونا، إذ تعني الجائحة المصيبة او البلية او التهلكة، وتعني ايضاً الافة السماوية على الثمر، وجمعها جوائح، وعند التمعن بمعنى الآفة السماوية, نجدها من ضمن حالات القوة القاهرة بوصفها مصطلح قانوني شائع، إذ ان الافة السماوية هي احدى مصاديق القوة القاهرة، التي تعد مانعاً من موانع المسؤولية الجزائية وكذلك المدنية، ويرتبط معها ايضاً الظرف الطارئ أو الاستثنائي، وعلى الرغم من ان هناك فرقاً بين القوة القاهرة, والظرف الطارئ  الا ان هذا الأمر يتعلق على الغالب بالعقود وتنفيذها, وقد يخرج عن موضوع بحثنا.
 لذلك ما يهمنا الان هو الظرف الطارئ, الذي يعني وجود حوادث أمنية, أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تتطلب إجراءات سريعة من قبل الإدارة, غير التي تتخذها في الظروف العادية، ويطلق هنا حالة الطوارئ، أو تستخدم قوانين الطوارئ الذي يمنح الإدارة صلاحيات أوسع مما هي في الظروف العادية, التي يكون الوضع فيها مستقراً، وقدر تعلق الامر هنا ممكن ان يطرح السؤال: هل ان الإدارة في العراق تحتاج الى قرارات استثنائية لمجابهة هذا الوباء ؟ وهل لها سلطة مجابهة هذا الوباء بسلطاتها الاعتيادية ؟
ان الوضع الطارئ في العراق والعالم اجمع هو وجود وباء (كورونا), الذي اصبح يهدد الحياة الإنسانية جمعاء، وبلغ من المخاطر بحيث أعلنت منظمة الصحة العالمية مثل ما اشرنا الى أنه آفة ووباء عالمي ، وقد استخدمت الدول جميعها الاحتياطات والوقاية اللازمة للتصدي لهذا الوباء، وقد وصفته بعض الدول مثل الولايات المتحدة على انه معركة. 
وعند تصنيفه في أي من الظروف الطارئة، نجده ظرفاً صحياً طارئً, والصحة هي احد عناصر النظام العام، فالنظام العام بمفهومه البسيط جميع المصالح العليا للدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وان اهم واجبات الدولة او الإدارة تحديداً هي حماية النظام العام، الذي يتكون بمفهومه التقليدي الفقهي, من الامن, والصحة العامة, والهدوء والسكينة, واضيف اليه عنصر رابع ضمن المفهوم الحديث وهو الآداب العامة, وعليه تعد الصحة العامة احد عناصر النظام العام، ومن واجبات الإدارة حماية الصحة العامة، ويسمى هذا الواجب بالضبط الإداري, الذي يعني الإجراءات والتدابير التي تتخذها الإدارة لحماية النظام العام، وهذه الإجراءات والتدابير يجب ان تكون ضمن مبدأ المشروعية، الذي يعني التزام الإدارة بالقانون في جميع تصرفاتها المادية القانونية، ومن اجل ذلك اصدر رئيس الوزراء الامر الديواني رقم (55) بالعدد 1932 في 3/2/2020 , والمتضمن تشكيل لجنة تتكون من عدد من الوزارات والأجهزة برئاسة وزير الصحة لتعزيز الإجراءات الحكومية في مجالات الوقاية  والسيطرة الصحية، وسميت هذه اللجنة اعلامياً بخلية الازمة, التي أصدرت مجموعة من القرارات والبيانات التي من شأنها مجابهة هذا الوباء والسيطرة عليه. 
وقد تشكلت ايضاً على هذا الأساس خلية أزمة في كل محافظة يترأسها المحافظ لمعالجة الأوضاع والمتطلبات ضد هذا الوباء، ان تشكيل هذه اللجنة الاتحادية وتشكيل خلايا ازمة في المحافظات، لا يعد مدعاةً للجدل، كونه قرار اداري ولا يتعارض مع مبدأ المشروعية, وان رئيس الوزراء له السلطة الادارية الواسعة التي تمكنه من اصدار قرارات بتشكيل اللجان، لكن ما يثير الجدل هل ان قرارات هذه اللجان تنسجم مع مبدأ المشروعية ؟ فقد أصدرت هذه اللجان قرارات عدة في هذا المجال، وهي قرارات تتعلق بفرض قيود على الحراسات والافراد، بمنع العراقيين السفر الى الخارج، وكذلك منع دخول المسافرين الى العراق، وحظر التجوال في المحافظات, ومنع الخروج منها والدخول اليها, وحجر المصابين بالفايروس في المستشفيات الخاصة لهذا الغرض، وتشديد الإجراءات الأمنية والرقابة على أسعار المواد التجارية, لاسيما الغذائية والطبية، وغلق المحال التجارية والأسواق، وغيرها من اجراءات الضبط الإداري التي تمثل قيوداً على الحريات العامة والخاصة, التي كفلها الدستور العراقي بموجب مبادئه الأساسية وانها يجب ان لا تقيد الا بموجب القانون. 
في الحقيقية اننا نجد الأساس الدستوري لواجبات السلطة التنفيذية بصورة عامة, ضمن الفصل الثاني من دستور جمهورية العراق لسنة 2005, وضمن المادتين (78و80) من الدستور اللتان نصتا على مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن تنفيذ السياسة العامة للدولة ووصفه القائد العام للقوات المسلحة، اما المادة (80/ثالثاً ) فقد تضمنت صلاحية مجلس الوزراء بإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات لتسهيل تنفيذ القوانين, وهذان النصان قد اوكلا إدارة الدولة بالسلطة التنفيذية, مع ملاحظة صلاحية مجلس الوزراء بإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، يجب ان تكون مرتبطة بالقوانين، أي عند وجود نص قانوني يتطلب تنفيذه اصدار هذه القرارات الإدارية (التشريع الفرعي)  فمجلس الوزراء له اصدار هذه القرارات، وخلاف ذلك يجب اللجوء هنا للإجراءات والتدابير التي تقتضيها حالة الطوارئ ، التي يتطلب الموافقة عليها موافقة مجلس النواب وفقاً للمادة (61/تاسعاً /أ), بطلب من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء مجتمعاً، ولم يعلن مجلس النواب لحد كتابة هذه اللحظة حالة الطوارئ, ولم يشاع انه قد قدم طلباً له من رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة يجب ان تكون إجراءات الإدارة وفقاً لما اقرته القوانين, ولا محيد له عن ذلك الا بالخروج عن مبدأ المشروعية.
اما الأساس القانوني لسلطة الادارة في هذا المجال فنجده في عدة قوانين اهما قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981 , وقانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008 المعدل, وقانون حماية السلامة والامن رقم (1) لسنة 2004 وقانون وزارة الداخلية رقم (20) لسنة 2016, بل وحتى قانون رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم (176) لسنة 1980, وعلى الرغم من ان الظرف الطارئ هو ظرف صحي بالدرجة الأولى وينبغي الركون الى قانون الصحة العامة، الا ان الإجراءات الضبطية تحتاج الى مجمل القوانين التي اشرنا اليها, وهي قوانين تصب في جزء مهم منها في الضبط الإداري، لاسيما قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة, الذي يمثل بمجمله واجبات الضبط الإداري.
 وقد اصدرت خلايا الازمة سواء الاتحادية أو أي خلية أخرى محلية, مجموعة من القرارات التي من شأنها المساس بالحقوق والحريات العامة مثل حظر التجوال, وحجز المشتبه بهم وحجر المصابين, وهذه  الإجراءات تمس الحقوق والحريات العامة في الصميم, وهي إجراءات ضرورية يجب اتخاذها من اجل حماية الافراد من الوباء المميت، سندها القانوني الأول ضمن قانون الصحة العامة سالف الذكر الذي يتبين من خلال قراءة مواده لاسيما الفصل الثالث منه المتعلق بمكافحة الامراض الانتقالية، ان لوزارة الصحة اصدار بيان يعلن فيه عن أي مدينة او جزء منها بانها موبوءة، وللسلطات الصحية في هذه الحالة اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بمنع انتشار الوباء, من خلال تقييد حركة المواطنين بالدخول والخروج، وغلق المحلات العامة، ويمكن الدخول الى اي مكان لغرض تفتيشه عن الحالة الوبائية, وللجان الصحية الحق بعزل ومراقبة أي شخص يشتبه به بانه حامل الوباء, لاسيما اذا اعلن عنه دولياً، وهذا الامر ما تتبعه السلطات الصحية حالياً في مجابه فايروس كورونا ولها في ذلك سند قانوني معتبر، وان هذا القانون قد عالج حتى أسلوب وإجراءات التعامل مع جثث المتوفين بالوباء, وكيفية التحفظ عليها وحماية الافراد منها باتخاذ إجراءات وقائية من حيث نوع التوابيت التي يوضع بها المتوفي, ودفنهم, وبذلك نجد ان الإدارة لها الحق في اتخاذ تدابير وقائية من وباء كورونا، وان تطبيق هذه الإجراءات الوقائية فيها أو العلاجية, غالباً ما يكون بمساعدة القوات الأمنية او بواسطتها, مثل حظر التجوال, وغلق المحال العامة وقطع الطرق، وان اغلب الجهات الأمنية المنفذة لهذه الاجراءات, هي الشرطة والتي تستطيع الاستناد الى قانون رجل الشرطة في مكافحة الجريمة, وفرض تدابير وإجراءات الضبط الإداري العام والخاص منها، اما عن حظر التجوال بالإضافة الى ان قانون الصحة العامة سالف الذكر الذي خول الإدارة الصحية بصلاحيته ضمنياً، الا اننا نجد قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل, قد أتاح لمجلس المحافظة اصدار قرار حضر التجوال، وبما ان مجالس المحافظات قد حُلت بقرار نيابي، فان سلطات المجلس تنتقل في المحافظات الى المحافظين, هم رؤساء خلايا الازمة في محافظاتهم, وبامكانهم استخدام هذه السلطة .
لكن ما نشكل عليه هو ان خلية الازمة قد أصدرت في احدى بياناتها او توجيهاتها قراراً بمراقبة غلاء الأسعار, بواسطة شرطة الامن الاقتصادي, وهذا الامر لا نجد له سنداً في القانون، فكيف تتم هذه الرقابة لاسيما ان  النظام الاقتصادي في العراق ما بعد عام 2003 قد تبنى النظام الاقتصادي الليبرالي وتنمية القطاع الخاص وحرية السوق, لذلك هذا الامر يصعب تنفيذه، لانه يحتاج الى خبراء في تحديد الأسعار الحقيقية ونسبة المغالاة بها، أو الاحتكار، وهذا الامر يخلو من السند القانوني، مع انه جاء مراعاة للوضع المتأزم، وعدم قدرة المواطنين على ممارسة أعمالهم, وانقطاع اغلب مصادر عملهم او معيشتهم ، مما يتطلب مراعاة وضعهم الاقتصادي، ومنع التجار في التلاعب بمقدرات الناس, لا سيما ذوي الدخل الواطئ او المحدود منهم, وفي هذه النقطة، نجد انه لا بد من اعلان حالة الطوارئ, ليتسنى للحكومة اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه الازمة الصحية وتداعياتها، وان كانت اغلب تدابير وإجراءات الإدارة لها غطائها الشرعي القانوني، الا انها تبقى رهينة مبدأ المشروعية العادية, مالم تعلن حالة الطوارئ في البلاد، ومع ذلك فان الفقه القانوني يقر للإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة في حماية النظام العام في الظروف الطارئة, وان لم يوجد سندا قانوني لها, ولو اضطرها ذلك الى الخروج عن مبدأ المشروعية، لان القانون وجد لحماية المجتمع الإنساني، فاذا عجز القانون عن ذلك, فلا غرو ان تقوم الإدارة بالتضحية بالتزامها بالقانون حماية للنظام العام  والافراد، وهذا ما اتفق عليه الفقه الإسلامي ايضاً في ان الضرورات تبيح المحذورات او المحرمات.
واخيراً نقول ان إجراءات الإدارة في العراق في مجابهة جائحة كورونا لا زالت تحت غطاء المشروعية، لكننا بحاجة الى اعلان حالة الطوارئ لتتمكن الإدارة من السيطرة على الازمة بشتى الوسائل والسبل، والتي قد يكون منها تقديم اعانات مالية لبعض المواطنين غير منصوص عليها في الموازنة العامة, لا سيما انها غير مقرة لحد الان, ونسال الله ان يلطف بالإنسانية جمعاء وينجينا شر هذا الوباء.









هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع