القائمة الرئيسية

الصفحات

كوفيد – 19 تهديد الوجود الإنساني بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا



كوفيد – 19 تهديد الوجود الإنساني
بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا

  
   كوفيد – 19 تهديد الوجود الإنساني
بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

يعد الصراع من المسلّمات في العلاقات الدولية, فعلى الرغم من الاهتمام المتنامي بحقوق الإنسان كركيزة أخلاقية تحكم العلاقات الدولية إلا أن ما يجري على أرض الواقع في الساحة الدولية يقوّض النظام المعياري المتجذر في الفلسفة المثالية, التي جاءت بها مبادئ حقوق الإنسان إذ أن فكرة تصور عالم مثالي بعيدة كل البعد عن واقع العلاقات الدولية فمن يؤمن أخلاقيات العلاقات الدولية يجد إنها لم تعد لها الأولوية لما شاب السياسة الدولية عبر التاريخ الإنساني من تشوهات عدة نتج عنها الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي والاستغلال المفرط لموارد الطبيعة والتلوث وتفكك الدول وظهور أجيال جديدة من الحروب ألا وهي حروب الجيل الخامس والحروب البيولوجية لذا في ظل كل تلك المؤثرات لم تعد العلاقات الدولية قادرة على تكييف وتفسير سلسلة من الحقائق التي يوجبها تطور النظام الدولي.
 لذا بات أمرٌ معقداً أن يتم تحليل الأخلاق الدولية في ظل تلك المقاربات لان الربط بينها وبين التوجهات الاخلاقية للرأسمالية واللبرالية بات يعكس جوهراً أخلاقياً يؤكد طبيعة الانسان بانه محارب بالفطرة لذا فمن الطبيعي أن تكون العلاقات الدولية علاقات صراع لذلك تعظم القوة كبعد طبيعي انطلاقاً من القول بأن الغاية تبرر الوسيلة مع الاقرار بوجود نسبي للبعد الأخلاقي في العلاقات الدولية عبر الاعتراف بحقوق الانسان وتبني مفهوم الأمن الانساني وإن كان ذلك بدافع استخدامها كمعيار لتحقيق مصالح معينة بذاتها وهو ما يفسر فرضية المؤامرة بأن الصين عمدت لنشر فيروس كورونا جزء من حرب بيولوجية لضرب الاقتصاد العالمي وهو ما يعد التحليل الذي باتت تعتمده دول عدة رغم الاتهام المعاكس من قبل الصين للولايات المتحدة وهو ما يظهر تداعيات الصراع الصيني الأمريكي في نطاق تقويض اقتصاد كل منهما, الذي قد يترك أثراً يتعدى تلك الدولتين, الذي قد يكون مثاله الأقرب رفض الولايات المتحدة الأمريكية رفع العقوبات عن ايران بغض النظر عن البعد الانساني والأخلاقي لما تنتجه تلك العقوبات من تأثيرات تمس حقوق الأفراد.
 وهو ما يثبت لنا إن الأخلاق تسوق في الخطب والإعلام وتقارير المنظمات وهو ما يظهر بأن الأخلاق ليست جوهر العلاقات الدولية إذ أن أزمة كوفيد- 19 عزّزت تلك المقولة فتعامل دول الاتحاد الأوربي مع الأزمة باتباع سياسات منفردة عبر عن الانفصال عن النزعة القومية في الاتحاد لاتخاذ سياسات مشتركة تحت مظلة الاتحاد الاوربي وهو ما أظهر زيف بريق التجربة الاوربية التكاملية.
 إذ أن الأزمة أظهرت العجز عن خلق إدارة أوربية موحدة لمجابهة الأزمات وهو ما يؤكد مقولة (ستانلي هوفمان) عن عدم التوافق بين الاخلاق والسياسة الدولية فهيكل البيئة الدولية هو من يحدد معيار العمل الأخلاقي وامكانياته لذا يفترض ذلك كله تقديم مبررات ذلك الخلل الذي شاب العلاقات الدولية فحقوق الإنسان وانتهاكها بوسائل تخدم مصالح الدول الكبرى أمر بات يهدد الوجود الانساني وهو ما يمنح تفسيراً للتنافس الامريكي الصيني للهيمنة على العالم الذي يعد مهد الإنسانية وهو ما يظهر أهمية التعاون الدولي على كافة الأصعدة ولا سيما الأزمات انطلاقاً من مبدأ (مصيرنا مشترك) وهو ما يؤكد الحاجة للتعاون لعبور الأزمة والبحث عن حلول للمشاكل المشتركة التي باتت أكثر وضوحاً.
 لذا يكون الحل بالابتعاد عن نظريات المؤامرة العمل على التصدي للمرض ليكون ذلك خطوة أولى لإعادة تحسين العلاقات المتوترة وتبديد المفاهيم الخاطئة وتقليل الاضرار التي شابت العلاقات الدولية إلا أن ما يثير التساؤل هل سيتحقق ذلك التعاون بدل الصراع هل سيخلق نظام عالمي قائم على التعاون المزدوج ولا سيما أن مما لا شك فيه إن بنية المجتمع الدولي بنية اجتماعية تتضمن مجموعة من القيّم التي تشكل هويته الإنسانية وهو ما يمكن أن يدفع نحو عقد تحالفات دولية بما يتعلق بالقضايا ذات الاهتمام المشترك لتكون القاعدة هي الالتزام بالتعاون في ظل ظهور الأزمات وما يليها.
 وإلا تحملت الإنسانية جمعاء نتائج ذلك الخلل في العلاقات الانسانية وتغليب مركزية الإنسان كمحور تدور حوله أسس العلاقات الدولية دون اللجوء لاستخدامه لإضفاء الشرعية على سلوكيات دول يشوبها الصراع والتنافس لتحقيق أهداف سياسية يتم عبرها استغلال الأخلاق بشكل يضمن تلك المصالح وضرب بعرض الحائط كل القيم الإنسانية حتى وإن كانت تفتك بالإنسان وحقه في الحياة وهو ما يبين صعوبة تطبيق الأخلاق في نطاق العلاقات الدولية.
 ولا سيما أن الوباء بات يتحول من مجرد وباء الى ظاهرة إنسانية أنتجت تقليد بشري جديد دافعاً لأثبات وجود البشر وفق شروط جديدة إذ أيقظ بداخلنا التساؤل لماذا وُجدنا في هذا العالم ككائنات بشرية بين أشكال لا متناهية من الحيوات ليكون ذلك الفيروس هو جرس الانذار لنستيقظ من سباتنا والخروج من فكرة تفوقنا عما حولنا من كائنات لتكون رسالة لنا بأن قدرة الإنسان تكمن في اختلافه لا سيطرته ولا سيما أن الفيروس لم يترك مجالاً إلا وتسلل اليه دون أن يتمكن علماء العصر من تفكيك لغزه وما حمله هذا الحدث الوبائي العالمي من دلالات وقيم ومعاني كانت تمثل صرخة العالم الطبيعي والانساني, التي لن تكون الأولى ولا الأخيرة كتمرد وجودي ضد العقلية الحسابية للذات الانسانية, التي باتت كابوس مدمر لكل ما يحيط بها كمن يريد إنارة مدينة فيحرق غابة كاملة مغتبطاً بفعلته لأنه أنار المدينة وهو ما يعكس ضيق رؤيا تلك الذات التي باتت تحرق العالم بدل أن تنيره هذا هو التحول في علاقة الانسان بالطبيعة بالتعامل معها كمصدر للاستغلال والاستنزاف وليس كمأوى يسكن اليه.
 كل ذلك تحكمه صراعات السيادة بين الدول لمن يتصدر ويكون المسيطر على تلك الموارد لتكون النتيجة تخريب تئن تحته الطبيعة ولا سيما إن العلاقات الانسانية جُرِّدت من قيمها وباتت تحكمها النقود لتكون الكورونا مورد من موارد عدة تعاقبت على الإنسانية منذ أن تمردت على خالقها ليكون ذلك التمرد بداية المآسي في ظل نسيان الإنسان إنه ضيف على هذا العالم وليس سيداً عليه, نتج عنه ألم متواصل على الرغم من وعيه المبكر بالمحاذير التي تحيط بمسلكه هذا, ليكون كائن يتجاوز نفسه نحو اللاشيء.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع