القائمة الرئيسية

الصفحات

القرصنة البيولوجية عن الاغذية المعدلة وراثيا بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا




القرصنة البيولوجية عن الاغذية المعدلة وراثيا
بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي
معهد العلمين للدراسات العليا



القرصنة البيولوجية عن الاغذية المعدلة وراثيا
بقلم/ ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

     باتت الهندسة الوراثية من التقنيات الحديثة التي اسهمت في بوضع الحلول اللازمة للعديد من المشاكل البشرية من انتاج الغذاء والعقاقير والجراحات التعويضية  ليعد استخدام ما يسمى البيوتكنلوجيا في انتاج الكائنات الحيوانية او النباتية يتم عبر احداث تغيير في مادتها الوراثية والتي يرمز لها بـ (DNA) بإدخال جين او اكثر غريب عن الجين الاصلي للحصول على صفات وراثية افضل كان يكون النتاج مقاوم للظروف البيئية الغير ملائمة في النباتات او زيادة جودة الثمار او الزيوت التي تحتويها اما في الحيوانات فتكون بزيادة كمية اللحم او البيض او الحليب او الصوف المنتج من الحيوان او الاسماك، لذا فقد بات استعمال تلك التقنية يسير بوتيرة متسارعة للحصول على نتاج نباتي او حيواني قد تترك اثارا سلبية على الصحة العامة او البيئة، فمن الثوابت بان الغذاء السليم له تأثير مباشر على بناء القدرات الذهنية والصحية للإنسان وفي ضوء ذلك اعتبر الغذاء حق من حقوق الانسان التي وردت في الميثاق العالمي لحقوق الانسان والتي تم التأكيد عليها مرارا في المؤتمرات الدولية المعنية بهذا الامر والتي كان اخرها مؤتمر روما لعام 1996 الذي اقر مبدأ الحق في توفير الغذاء الصحي كحق من حقوق الانسان  وعدم جواز استخدامه كوسيلة للضغط على الشعوب، لذا كان موضوع استخدام تقنيات الهندسة الوراثية والتلاعب بالجينات موضوعا بالغ الاهمية حاز على اهتمام العلماء والسياسيين ومستهلكي الاغذية فتلك الاغذية والتي يرمز لها علميا بالرمز (GMOs) والدال على ان تلك الاغذية قد تم التلاعب في مادتها الوراثية للحصول على تركيب وراثي جديد لإنتاج صفة او صفات جديدة للكائن الحي ليكون ذلك الموضوع بالغ الدقة من الناحيتين العلمية والقانونية لحماية الانسان في صحته من الاخطار المحتملة لاستخدام تلك التقنية في انتاج غذائه وتأثير ذلك على صحته وكذلك التأثيرات التي تتم على الكائنات الحية وما يرافق ذلك من تغيرات تقع على التنوع البيولوجي من حيوان ونبات، لكن ما هي الهندسة الجينية او ما يعرف بالهندسة الوراثية، تعد الهندسة الوراثية احدى التقنيات الحيوية التي تستخدم الانظمة البيولوجية للكائنات الحية من حيوان او نبات او بعض مشتقاتها لإنتاج منتجات صناعية عبر جمع صفة او اكثر من صفات الكائن الحي عبر نقلها من خلية لأخرى او الى كائن حي اخر الامر الذي يمنح هذا الكائن صفات او وظائف لم يكن يمتلكها عبر تغيير التركيب الجيني للخلايا او الكائن عبر نقل المحتوى الجيني لكائن معين عبر زيادة جيناته او عزلها لتغيير صفاته الوراثية او للحصول على منتج له قيمة تجارية بإظهار الصفات المرغوبة وجل تطبيقاته في المجال الزراعي والحيواني، ونظرا لانتشار استعمال تلك التقنيات عمدت التشريعات المقارنة لتعريف الكائنات والمنتجات المعدلة جينيا.
    ففي القانون الفرنسي عرفها بانها: (كائن حي خضع تركيبه الجيني لعملية تحوير سواء بالتكاثر او بتعديل تركيبته الطبيعية).
    اما القانون النرويجي فقد عرفها: (كائن حي دقيق نبات او حيوان يتم تغيير مادته الوراثية عبر تكنلوجيا الجينات).
    اما القانون الاسترالي فقد عرفها بانها: (الاغذية المصنعة والتي تغير مادتها الوراثية بواسطة تكنلوجيا الجينات).
    اما التشريعات العربية فتعد من التشريعات التي لم تواكب التطور العلمي في مجال التقنيات الوراثية فلم تعمد لتناولها باستثناء التشريع السوداني فقد عرف الكائنات المعدلة وراثيا بانها: (اي كائن حي اكتسب تركيبة جديدة من مواد جينية حصل عليها باستخدام التقنيات البيولوجية عليه مثل القطن والذرة المقاومة للمبيدات والحشرات).
    اما مسودة التعليمات الاردني فقد عرفها بانها: (الكائنات الحية التي تمتلك مزيج مبتكر من المادة الوراثية الناتجة من استخدام التقنيات الحيوية الحديثة).
   اما القانون السوري فقد عرفها في مسودته بانها: (الكائنات التي تمتلك مزيجا مبتكرا من المادة الوراثية الناتجة من استعمال التقنيات الحيوية الحديثة)
    وبالنظر لتلك التعاريف نجد انها تقليد لبعضها البعض دون ان يعمد المشرع لاعتماد صيغ مختلفة او وضع مفردات جديدة او تتبع ما يستجد في نطاق تلك التقنيات لتطوير ما يراد وضعه من تعاريف في مسودة التشريع وهو ما يظهر الاهمال في التحري والبحث في ذلك المجال والذي لا نعلم مرده هل هو لضعف الامكانيات ام لضعف القدرة العلمية على مواكبة التطورات العلمية الحديثة في نطاق الابحاث الجينية التي باتت تغزو العالم، ليفهم مما تقدم بانها كائنات نباتية او حيوانية دون البشر يتم احداث تغيير في جيناته بنقل جينات حيوانية او نباتية للكائن محل التغيير لإنتاج او اكثار انتاج ذلك الكائن او تحسين صفاته، وعلى الرغم من ان المتعارف عليه حداثة تلك التقنيات الا ان معظم الحضارات كانت تتوق لتلك الطفرات في تحسين صفات الكائنات الحية والادلة كثيرة انطلاقا من الثيران المجنحة في بلاد وادي الرافدين وابي الهول في الحضارة الفرعونية والكايميرا المخلوق الخرافي في الاساطير الاغريقية المكون من راس اسد وجسم عنز وذيل افعى وهو ما يؤكد رغبة الانسان ومنذ فجر الحضارات بالحصول على كائن بصفات خارقة ليتقدم العلم ويمكن الانسان من الحصول على تكوين بنى وراثية غيرت العديد من المفاهيم الحياتية فمنذ القدم والانسان يستعمل طرق التكاثر المختلفة للحصول على محاصيل افضل وبجودة افضل من المعتاد عبر اللجوء لوسائل تقليدية وبوقت اطول وبنتائج غير مؤكدة لكون الخلط بين الجينات عشوائي وهو ما لا يرجح نتيجة بعينها، اما بعد اكتشاف المادة الوراثية عام 1953 من قبل العالمين (واطسون وكريك) وتعاقب الابحاث التي سعت لدراسة وبيان الصفات الوراثية بشكل مفصل عمدت العديد من الشركات والمراكز البحثية لنقل صفات من كائن لأخر لإنتاج نباتات مهجنة وراثيا لأغراض متعددة ليصبح بالإمكان اجراء التعديل على الكائن مباشرة دون اللجوء لطرق التكاثر التقليدية، وبعد اكتشاف (بول برغ و هربر تبوير وستانلي كوهين) تقنية اعادة تشكيل ( DNA) امكن بذلك نقل صفات مختلفة لكائن مختلف عن صنف الكائن المراد تعديل صفاته وبذلك تم الحصول على مواد دوائية نادرة مثل الانسولين البشري وهرمون النمو، ليتخطى ذلك الامر لإنتاج نباتات مقاومة للحشرات تتحمل الجفاف والملوحة والبرد والصقيع وتعزيز مقاومة الامراض بالنسبة للحيوانات ليمنح ذلك المنتجين مزايا ملموسة للأطراف المنتجة عبر الحصول على منتجات منخفضة التكاليف واوفر انتاجا وبأشكال متناسقة وهو ما يعود بالفائدة للمنتج بعرض منتوجه بسعر منخفض لقلة كلفته وغزارة انتاجه لمستهلك يبحث عن اقل الاسعار، الا ان ذلك الانتاج الغزير والقلل الكلفة ما تبعاته البيئية وهل تشكل خطرا على البيئة؟ من المعروف ان الكائنات الحية عند تنفسها تأخذ الاوكسجين وتطرح ثاني اوكسيد الكاربون اما النباتات فتأخذ ثاني اوكسيد الكاربون لتطرح الاوكسجين في عملية التمثيل الضوئي ليكون تكاثر نباتات بتلك الصورة امر خارج عن سيطرة الانسان الامر الذي يسبب خللا في الالية الطبيعية في انتاج واستهلاك الغازات في الطبيعة مما يخل بالتوازن الكوني، كما ان ما تفرزه تلك النباتات من سموم في التربة يعمل لقتل البكتريا المثبتة للنتروجين المفيدة للتربة اضافة لأثارها السمية على الحشرات والحيوانات بما يظهر اثرها الكارثي على البيئة والكائنات الحية وعلى الحشرات المفيدة كالنحل وصناعة العسل مع تناقص القيمة الغذائية لتلك المحاصيل مع تسببها بانقراض العديد من الاصناف النباتية.
    وهو ما يدفع للبحث في تأثيرها على صحة الانسان فالبحوث والدراسات الطبية اثبتت تأثيرها على الجهاز العصبي للإنسان وضعف جهاز المناعة وانتشار امراض السكري وارتفاع ضغط الدم والصداع النصفي والفشل الكلوي والكبد وانتشار الامراض السرطانية والزهايمر والامراض الجنسية وتشوه الاجنة كتأثيرات تحدثها الاغذية المعدلة جينيا مما دفع لانتشار امراض لا عهد للإنسان بها  فنقل المادة المعدلة وراثيا لجسم الانسان يؤثر سلبا على صحته ولا سيما ان كانت تلك الاغذية المعدلة وراثيا تتصف بمقاومتها للمضادات الحيوية وهو ما ينعكس سلبا على جسم الانسان وعدم تقبله لها او استفادته منها فيكون عرضة للأمراض والبحث عن مضادات اقوى وهو ما لا يدفع الخطر بامتناعه عن تناول النباتات او اللحوم المعدلة جينيا وذلك لاستمرار تعرض الانسان لذلك الخطر بسبب امكانية استنشاق حبوب اللقاح المحملة بالجينات المعدلة او عبر العسل بحبوب اللقاح تلك لنكون بذلك محاصرين بالتلوث الجيني، وهو ما يدفع للبحث في المسؤولية المدنية عن استعمال تلك التقنيات زما ينتج عنها من مسؤولية للتصدي لمصدر الضرر في ظل تطور تلك التقنيات وانتاج المئات من الكائنات المعدلة جينيا وهو ما يحمل مخاطر جديدة ومحتملة جراء ذلك التزايد في الانتاج ولزيادة معدلات استهلاك تلك المنتجات فقد عمدت المنظمات الدولية المعنية بالغذاء لحث الدول على ابرام اتفاقيات تتعلق بتلك الاغذية الا ان ذلك قوبل بتباين موقف الدول من ذلك الاجراء بين الاجازة والحظر فدولة مثل الولايات المتحدة كانت السباقة في تنظيم المسؤولية القانونية عن تلك المنتجات منذ عام 1975 في عهد الرئيس الامريكي - فورد - اذ شكلت لجنة لدراسة مشكلة المسؤولية لتثمر عن اصدار القانون الموحد للمسؤولية عن المنتجات المعدلة وراثيا عام 1979 على الرغم من ان الولايات المتحدة تعد من اكثر الدول انتاجا لتلك المنتجات المعدلة وراثيا اذ تعد شركة مونسانتو العاملة في مجال التكنلوجيا الحيوية الزراعية هي اكبر منتج للبذور اذ تمتلك (70-100%) من اسواق البذور في العالم مع اجازة المشرع الامريكي لبراءات الاختراع في ذلك المجال ، وبالنظر لوجود ثلاث وكالات حكومية لها سلطة منح الشرعية للأغذية المعدلة وراثيا وهي وكالة حماية البيئة ووكالة الزراعة ووكالة الاغذية والادوية والتي تتولى تلك الوكالات تقييم سلامة تلك النباتات للزراعة وصلاحيتها للأكل، الا ان الحكومة الامريكية وبتعاقب الحكومات وجهت بسن القوانين والاجراءات المنظمة لتسهيل تسويق تلك المنتجات في الاسواق العالمية والعالمية ولا سيما ان هيئة الغذاء والدواء الامريكية (FDA) عدت تلك الاغذية لا تختلف عن الاغذية المنتجة بالطرق التقليدية، لذا عمدت الولايات المتحدة للامتناع عن المصادقة عن بروتوكول قرطاج المتعلق بالسلامة الاحيائية والتي تعد اول اتفاقية دولية تهدف لتنظيم حركة الكائنات المعدلة وراثيا، وهو ما يناقض موقف المشرع الفرنسي الذي اعتمد فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية على الرغم من ان القانون الفرنسي لم يعالج موضوع تلك المسؤولية حتى عام 1998 مع تنظيم مسؤولية المنتج بقواعد خاصة وهو ما دفع الفقه للتصدي لمعالجة ذلك الامر ليصدر المشرع الفرنسي قواعد المسؤولية التي تقع على المنتج في الفصل الرابع من الكتاب الثالث في المادة (1386) بفقراتها الثمان عشر لتدمج نصوص المسؤولية مع نصوص القانون المدني لتعد فرنسا من اكثر دول الاتحاد الاوربي معارضة للمنتجات المعدلة وراثيا وهو ما يتوافق مع موقف معظم دول الاتحاد الاوربي، اذ عمدت دول مجلس الاتحاد عام 1999 بالتصويت على تحريم ووقف تجارب واختبارات زراعة اعضاء الحيوانات المعدلة وراثيا في الانسان وهو ما عارضته الولايات المتحدة التي ضغطت على منظمة التجارة العالمية التي عدت بان امتناع الاتحاد الاوربي عن استيراد تلم المنتجات والمحاصيل هو انتهاك لقواعد التجارة الدولية.
    ليتضمن الموقف الفرنسي الجديد اصدار تشريعات تنظم تقييم تلك المنتجات وما ينتج عنها من مخاطر والاقتراحات المقدمة لتجنبها ووضع العقوبات لمن يخالف احكام وضوابط التشريعات ذات الصلة ليضع بذلك قيودا قانونية تنظم الية انتاج وتداول تلك المنتجات وفرض عقوبات على منهكي تلك الاحكام.
    اما المشرع العراقي فقد اعتمد فكرة المسؤولية المدنية المرتبطة بالخطأ كأساس قانوني للمسالة بالأخذ بالتشريعات ذات الصلة كما هو الحال قانون حماية المستهلك وقانون الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وقانون العلامات والبيانات التجارية وقانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية وقانون تنظيم التجارة وقانون الوقاية من الاشعاعات المؤينة في المادة (13 /ف1) منه وقانون الصحة العامة ونظام الاغذية رقم (95) لسنة 1982 وهو ما لا نجده متوافقا مع التطور ذو الوتيرة المتسارعة في مجال التقنيات الوراثية اذ كان من الافضل مواكبة التشريعات ذات الصلة واتخاذ موقفا واحا من تلك المنتجات وتعيين اليات الرقابة والتفتيش على تلم المواد بما يضمن حفظ الصحة العامة ووضع قاعدة موحدة لتشريعات تغطي ذلك القصور التشريعي الذي قد يستغل لإدخال تلك المنتجات للبلد بمسميات عدة مستغلين الثغرات القانونية بهذا الجانب فقانون حماية المستهلك وان كان يتضمن لواجبات المنتج في المادة السابعة والتزاماته في المادة التاسعة ومسؤوليته في المادة الثامنة الا انها تظل قاصرة في مجال حماية المستهلك لكون المشرع لم يعمد لتنظيم مسؤولية المنتج عن تلك المنتجات المعدلة وراثيا وفق المنظور الحديث بل اعتمد المبادئ التقليدية والتي لا تواكب الحداثة وما استجد بهذا الجانب من مسؤولية المنتج عن تلك المنتجات وهو ما لا يوفر للمستهلك امكانية اثبات خطأ المنتج لعدم امكانية اثبات الضرر الناتج عن تلك التعديلات الوراثية ولا سيما ان الشركات التجارية العابرة للقارات كمونسانتو ونوفارتيس منتجات معدلة وراثيا لغايات الربح وادعاءاتهم بان تلك المنتجات مغذية اكثر والذ نكهة وتساهم في الاستقرار للقطاع الزراعي بفضل تطوير نباتات مقاومة للآفات.
   وان تلك التقنية ستقضي على المجاعة في العالم، لتكمن مخاوف المناهضين لتلك التقنية من عدم القدرة على توقع عواقب هذه التكنلوجيا التي لا تزال في طور التحديث والتجارب بشكل متواصل لتكون تلك المسالة قضية رأي عام تؤثر فيها صراعات القوى السياسية ومالكي رؤوس الاموال ولا سيما ان شركات معينة هي من تتحكم بغذاء العالم وهو ما يزيد التحكم الاحتكاري لنلك الشركات في حالة فرض قوانين براءات الاختراع تلك على الدول الفقيرة الامر الذي يجعلها في حالة ضعف وعدم قدرة على مواجهة وتلبية حاجات شعوبها الغذائية والزامها بمعاهدات غذائية ولا سيما ان المشكلة لا تتمثل بالإنتاج الكافي للغذاء بل بعدم توافر الاموال الكافية لشرائه وهو ما يدفعنا للقول ان تلك التقنيات المستخدمة في انتاج الغذاء هي قرصنة بيولوجية بداعي توفير الحاجة الغذائية.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع