القائمة الرئيسية

الصفحات

الأحالة الفضلى في مسائل النسب تعليق على قرار محكمة النقض الفرنسية استاذ دكتور خيرالدين الأمين استاذ القانون الدولي الخاص المقارن كلية القانون جامعة بابل



الأحالة الفضلى في مسائل النسب
l'intérêt du renvoi dans la matière de la filiation
تعليق على قرار محكمة النقض الفرنسية
ا.د . خيرالدين الأمين
استاذ القانون الدولي الخاص المقارن كلية القانون / جامعة بابل



الأحالة الفضلى في مسائل النسب تعليق على قرار محكمة النقض الفرنسية
استاذ دكتور خيرالدين الأمين
استاذ القانون الدولي الخاص المقارن كلية القانون / جامعة بابل

     وفقآ لنص المادة 14 - 311من القانون المدني الفرنسي,[1] فأن تحديد القانون الواجب التطبيق على مسائل النسب يتم من خلال اعمال القانون الشخصي للأم يوم ولادة الطفل, هذا اذا كانت الأم معروفة, وفي فرضية  ان الأم غير معروفة, هنا يخضع التحديد الى القانون الشخصي للطفل. وقد دأب القضاء الفرنسي متمثلا بموقف محكمة النقض الفرنسية على تطبيق هذه الضوابط في تحديد القانون الواجب التطبيق على مسائل النسب.
الا انه وبعد مرور ما يقارب اكثر من 40 عامًا,[2] وبالتحديد بتاريخ 4 اذار2020,  اصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارا,[3] غيرت بموجبها المنهج الكلاسيكي التقليدي اعلاه ,وبسابقة غير متوقعة تبنت المحكمة نظرية الاحالة او ما نستطيع ان نصطلح عليها "بالإحالة الفضلى " في مسائل النسب.
وقد استندت المحكمة اعلاه, في تبرير توجهها هذا على ناحيتين: اولهما يستند على الطبيعة المحايدة والمجردة لقواعد تنازع القوانين, والتي سنتها المادة 14 - 311الانفة الذكر;
اما الثانية : فقد اشارت المحكمة في ثنايا قرارها على ان هذا التوجه انما يتفق مع الهدف الذي ترمي اليه تطبيق نظرية الإحالة, والمتمثل بفكرة الموائمة والتنسيق فيما بين التشريعات المقارنة ، بغض النظر عن المحاكم المختصة بنظر الدعوى.
وفقآ لمفهوم لنظرية الإحالة التقليدية, والتي تذهب الى ان, قواعد تنازع القوانين ( قواعد الاسناد,لا تحدد فقط الاحكام الموضوعية في القانون الأجنبي بل يمكن أن تشير إلى قواعد تنازع القوانين في القانون الاجنبي وتسمى (بالإحالة من الدرجة الأولى)) أو إلى قانون ثالث وتسمى (بالإحالة من الدرجة الثانية.
لن نعود إلى الأصل التاريخي للإحالة هنا واستعراض مفهومها ومبرراتها، وكلنا يعلم ببساطة أن محكمة النقض الفرنسية كانت قد قبلت الإحالة من الدرجة الأولى لأول مرة في قضية [4] Forgo ، في مسائل الميراث بالمنقول.
الا انه رغم ذلك , ومنذ ذلك الحين ولحد الان، لم تثبت الإحالة نفسها في السوابق القضائية كمبدأ عام, وظلت مجرد, حل استثنائي  يتم الرجوع اليها,  بالإضافة إلى ذلك ، فقد اثبتت التجارب العملية من الناحية الفنية انها صعبة التطبيق, حيث ثبت واقعيا ،انه من أجل قبول تطبيق الإحالة من قبل قاعدة التنازع في القانون الوطني، يجب ان يقابلها وبنفس الروحية مقبولية في التطبيق من قبل قاعدة التنازع في القانونً الأجنبي, وبالتالي لا تتحقق هذه الفرضية, اذا كانت قاعدة التنازع ذات طابع احادي او احادية الجانب.
وبالنظر لهذه الصعوبات الفنية وكذلك السيادية, تجدر الإشارة إلى أن بعض قواعد تنازع القوانين تستبعد صراحة الإحالة من التطبيق , من خلال النص في التشريع او الاتفاقية او اللائحة إلى أن, القانون الواجب التطبيق ,يعني القانون الداخلي أو الأحكام المادية او الموضوعية المنصوص عليها في القانون الأجنبي الواجبة التطبيق, وليس قواعد الاسناد في القانون الاجنبي . وهكذا ، على سبيل المثال ، تنص المادة   515-7-1   من القانون رقم  526 لسنة 2009 الفرنسي على أن [ تخضع شروط تكوين وآثار الشراكة المسجلة, وكذلك أسباب وآثار فسخها للأحكام المادية الموضوعية  لقانون الدولة التي قامت بتسجيلها] وكذلك لائحة روما 2 التي تعالج القانون الواجب التطبيق على الالتزامات غير التعاقدية,[5] تتضمن نص او حكم قانوني تستبعد صراحة نظرية الاحالة, كذلك لائحة روما [6]1 ,وعلى نفس النهج سارت لائحة روما 3[7] .
أما على صعيد القضاء, يلاحظ ان استبعاد الإحالة من قبل هذا الاخير, انما يتوقف على طبيعة ضابط الاسناد, وبالتالي ، فأنه عادةً ما يتم استبعاد الإحالة, وذلك في حال ما اذا كانت قاعدة الاسناد هي ضابط قانون الارادة, وآية ذلك عندما يختار الطرفان القانون الواجب التطبيق على العلاقة القانونية المتنازع عليها ، هنا سوف يستبعد القضاء تطبيق نظرية الاحالة, حيث يتوجب في هذه الحالة احترام استقلالية ارادة الطرفين, أيضا وبنفس الاتجاه, يستبعد القضاء تطبيق نظرية الإحالة في مجال شكل التصرف , وكذلك ووفقا للفقه الفرنسي في المسائل المتعلقة بالنسب، وفقآ لنص المادة 14 - 311من القانون المدني الفرنسي.
وبناء على ذلك، رفضت محكمة النقض وكذلك محاكم الموضوع حتى تاريخ صدور هذا القرار ٤ / ٣ / ٢٠٢٠ ، بالإجماع تقريبًا ، نظرية الإحالة عند تحديد القانون الواجب التطبيق على النسب ، وذلك اعمالا لنص المادة 14 - 311 من القانون المدني الفرنسي, وبالتالي ووفقا لفلسفة المشرع في المادة اعلاه, فأن النسب محكوم بالقانون الوطني للأم في يوم ولادة الطفل ، وإذا لم تكن الأم معروفة ، فبموجب قانون الطفل الشخصي ، عليه يفهم من ذلك إن نص المادة 14 - 311 تحتوي على تحديد مباشر وإلزامي للقانون  الواجب التطبيق على الموضوع.
اما بالنسبة لمجريات هذه القضية, فأنها تدور حول ان امرأة ألمانية كانت قد تزوجت من رجل يحمل جنسيتين, احداهما ايطالية والأخرى استرالية, وبالتالي فأن الزوج كان مزدوج الجنسية, وقد نتج عن هذا الزواج, طفلة, علما ان ولادة هذه الطفلة كان على الاقليم الألماني، استقر الزوجان فيما بعد على الاقليم الفرنسي. الا انه وفي حادث طارئ, ادعى رجلاً آخر أنه والد الطفلة, وعلى اثر ذلك, اقام الدعوى من اجل اثبات نسب الطفلة اليه. تم استدعاء الزوجين أمام محكمة باريس الكبرى حيث مكان اقامة زوج الام, حيث تم قبول دعوى النسب من قبل المحكمة), وقررت المحكمة أيضا اللجوء الى اجراء الفحوصات البيولوجية من اجل التحقق من صحة الادعاء.  ومع ذلك, رفض الزوجان الخضوع لهذا الاجراء اي اللجوء( الفحص البيولوجي ), مبررين رفضهم هذا على حقيقة قانونية مستمدة من القانون الالماني , مضمونها انه بموجب نصوص هذا القانون من غير الممكن الطعن في الأبوة, او مجرد التشكيك في العلاقة الاجتماعية الأسرية ما بين الزوجة والطفل. 
علما ان محكمة استئناف باريس ذهبت الى تطبيق نص المادة 14 - 311من القانون المدني المشار اليها في اعلاه من اجل تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات الطعن في النسب, وهذا منطقي تمامًا لأن قاعدة التنازع هذه عامة في النطاق. ومع ذلك ، بدلاً من الميل نحو تطبيق ضابط جنسية الأم الألمانية من اجل تطبيق القانون الالماني على مسألة النسب ، قام قضاة محكمة الموضوع بتحليل قواعد تنازع القوانين الألمانية, علما ان هذه الاخيرة تشير الى تطبيق ضابط قانون إقامة الطفل المعتادة, والقانون الذي يحكم آثار الزواج ، والذي ، يشير الى انه ,في حالة عدم وجود او تحقق ضابط الجنسية المشتركة للزوجين ، هو قانون دولة موطنهم المشترك ، وهنا في ظل هذه الواقعة القانون الفرنسي. 
طعن المدعون في القرار الاستئناف في اللجوء الى تطبيق نظرية الإحالة من قبل محكمة استئناف باريس,   بالتذكير بأن محكمة استئناف باريس لطالما ترفض هذا التطبيق وإلى المواقف الذي اتخذتها في مناسبات عديدة[8] ، وعلى وجه الخصوص في حكم  [9]Kostia  ، حيث استقر قضاء هذه المحكمة في مجال " تطبيق المادة 14 - 311من القانون المدني ، تخضع وبطريقة الزامية, تحديد القانون الواجب التطبيق على النسب ، للقانون الشخصي للأم,  يوم ولادة طفل, وبالتالي فأن تطبيق نظرية الاحالة هنا مستبعد".
كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعين على محكمة النقض أن تبت في هذه المسألة المتعلقة باللجوء الى تطبيق نظرية الإحالة في إطار تطبيق المادة 14 - 311من القانون المدني, ومع ذلك ، فإنها اقرت توجه محكمة الموضوع , ورأت أن قاعدة الأسناد الواردة في المادة 14 - 311من القانون المدني ، ذات طبيعة ثنائية وحيادية ، ومن مقتضى هذه الطبيعة ليس هناك ما يمنع من تطبيق نظرية الإحالة,  أيضا وكما اشرنا سابقا فأن المحكمة ترى, ان هذا التوجه سوف " يضمن نوع من التناسق  بين القرارات القضائية بغض النظر عن القضاء او المحكمة المختصة ، حيث ان هذا التطبيق او الرجوع الى الإحالة ممكن ان ينتج عنه موائمة فيما بين الأنظمة القانونية المختلفة.
أخيرا نقول ان  قبول الإحالة هنا من قبل محكمة النقض الفرنسية, انما هو مقرون باعتبارات المصلحة او المنفعة, لذلك يمكننا قبول الإحالة في كل مرة, عندما تسمح لنا بالاعتراف بصحة الفعل, وفي احيان اخرى, تم قبول الإحالة تحت ذريعة إمكانية التنبؤ بالحلول, وعلى صعيد مادة الميراث ذات الطبيعة الدولية ، اشترطت محكمة النقض لقبول الإحالة, وذلك فيما اذا ادى هذا التطبيق يسمح بوحدة الميراث وتطبيق نفس القانون على الأملاك المنقولة والعقار, لهذه الاعتبارات وغيرها فضلنا تسميتها بالإحالة الفضلى.


[1]   Article 311-14 du Code civile français prévoit que :                                                                                                      
Modifié par Ordonnance n°2005-759 du 4 juillet 2005 - art. 3 JORF 6 juillet 2005 en vigueur le 1er juillet 2006    
La filiation est régie par la loi personnelle de la mère au jour de la naissance de l'enfant ; si la mère n'est pas connue, par la loi personnelle de l'enfant.                                                                                                                            
[2] اي بعد الاصلاح المهم الذي تبناه قانون 1972 في مسألة النسب, والذي نتج عنه, تبني العديد من قواعد تنازع القوانين ومنها على سبيل المثال لا الحصر المادة  311- 14 من القانون المدني. 
[3] Cass. 1re civ., 4 mars 2020, no 18-2666
[4] Cass.Civ. 24 JUIN 1878 et Req. 22 FÉVR. 1882, Forgo
[5] Article 24 Règlement (CE) n°  864/2007 du Parlement Européen et du Conseil du 11 juillet 2007 sur la loi applicable aux obligations non contractuelles ( Rome II )
Exclusion du renvoi
Lorsque le présent règlement prescrit l'application de la loi d'un pays, il entend les règles de droit en vigueur dans ce pays, à l'exclusion des règles de droit international privé.
[6] Règlement (CE) n o  593/2008 du Parlement européen et du Conseil du 17 juin 2008 sur la loi applicable aux obligations contractuelles (Rome I)
Article 20
Exclusion du renvoi                                                               
Lorsque le présent règlement prescrit l'application de la loi d'un pays, elle entend les règles de droit matériel en vigueur dans ce pays à l'exclusion des règles de droit international privé, sauf disposition contraire du présent règlement.
[7] Règlement (UE) n ° 1259/2010 du Conseil du 20 décembre 2010 mettant en œuvre une coopération renforcée dans le domaine de la loi applicable au divorce et à la séparation de corps
Article 11
Exclusion du renvoi
Lorsque le présent règlement prescrit l’application de la loi d’un État, il entend les règles de droit en vigueur dans cet État à l’exclusion de ses règles de droit international privé.
[8] CA Paris, 8 mars 1983, Hublin : Rev. crit. DIP 1985, p. 290, 2e esp., note Foyer J. – CA Paris, 20 janv. 1986 : Gaz. Pal. Rec. 1986, 1, som., p 217.
[9] Batiffol H. et Lagarde P., Traité de droit international privé, t. 1, 8e éd., 1993, LGDJ, p. 499 et s.                       
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع