القائمة الرئيسية

الصفحات

انتهاء عقد الإيجار بموت المنتفع المؤجر

صاحب حق الانتفاع هو صاحب الحق في ثمار الشيء ومنفعته ولذلك يجوز له تأجيره للغير ولايبدو لنا جائزا قانونا حرمانه من هذا الحق ولو بشرط صريح في السند المنشئ للانتفاع وإلا فإننا لانكون بصدد حق انتفاع بل حق استعمال أو سكن، وعلى عكس ذلك فإن مالك الرقبة لاحق له في ثمار الشيء وبالتالي فلايجوز له تأجيره والإيجار الصادر منه لاينفذ في حق المنتفع الذي يجوز له أن يسترد الشيء من المستأجر من مالك الرقبة وتسليمه لمستأجر آخر يختاره هو،

انتهاء عقد الإيجار بموت المنتفع المؤجر
انتهاء عقد الإيجار بموت المنتفع المؤجر



 أما الإيجار الصادر من صاحب حق الانتفاع فهو صحيح بين أطرافه نافذ في مواجهة الغير وخاصة مالك الرقبة كل هذا مع مراعاة أن حق الانتفاع مؤقت بطبيعته وأنه ينتهي دائما إما بانتهاء المدة المتفق عليها أو بموت المنتفع.(عقد الإيجار- الدكتور سمير تناغو أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق/جامعة الإسكندرية-توزيع منشأة المعارف في مصر- طبعة /2008/الفقرة/20/- الصفحة/35/).

وقد نظم القانون المدني السوري عقد الإيجار الصادر من صاحب حق الانتفاع في النصين التاليين:
أولا-المادة/946 الفقرة 2/(أما عقود الإيجار التي يعقدها المنتفع فيقف مفعولها تجاه مالك العقار بعد ثلاث سنوات من انتهاء حق الانتفاع).

ثانيا-المادة/528/(الإجارة الصادرة ممن له حق المنفعة تنقضي بانقضاء هذا الحق إذا لم يجزها مالك الرقبة على أن تراعى المواعيد المقررة للتنبيه بالإخلاء والمواعيد اللازمة لنقل محصول السنة).

والظاهر أن ثمة تعارضا فاضحا بين النصين آنفي الذكر، ويرجع هذا التعارض إلى اختلاف مصدري هذين الحكمين فالفقرة الثانية من المادة/946/مستمدة من المادة/42/ من قانون الملكية العقارية الصادر بالقرار/3339/لعام 1930 في حين أن المادة/528/مستمدة من المادة/560/من القانون المدني المصري، ويبدو أن المشرع السوري قد سها عن الخلاف القائم بين هذين النصين حين نقلهما بدون تغيير إلى صلب القانون المدني وكان يتعين عليه في نظرنا أن يقطع في اختيار واحد منهما، إذ بينما يقضي الأول بوقف أثر عقد الإيجار الصادر من المنتفع في مواجهة المالك بعد ثلاث سنوات من انتهاء حق الانتفاع،


 تقضي المادة/528/ بوقف هذا الأثر فور انتهاء حق الانتفاع ، والذي يبدو لنا أن هذين النصين لاسبيل إلى الجمع والتوفيق بينهما لما يعتورهما من تعارض صارخ؛ ذلك لأن كل واحد من النصين يقتضي في واقعة واحدة حكما خلاف الحكم الذي يقتضيه النص الآخر فهما يتقابلان إذن على نحو يجعل كلا منهما مانعا مما يقتضيه الآخر، ولذا يتعين في نظرنا توقف العمل بالنصين معا واعتبار الواقعة المنصوص على حكمها فيهما واقعة لانص على حكمها ومن ثم يجب إعمال حكم الفقه الإسلامي في هذه الواقعة عملا بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني، ويقضي هذا الفقه بانتهاء عقد الإيجار بموت المؤجر كما أنه يقضي بانتهاء عقد الإيجار بهلاك العين المؤجرة ومقتضى هذين الحكمين أن عقد الإيجار الصادر من المنتفع يجب أن ينتهي فور سقوط حق الانتفاع سواء أكان سقوطه نتيجة لوفاة المنتفع أو انتهاء أجل الانتفاع.


 لأن الحق في المنفعة وهو محل الإيجار يعد في حكم الهالك بانتهاء حق الانتفاع. وهذا الحكم المستفاد من الفقه الإسلامي يلتقي كما هو واضح مع حكم المادة/528/ آنفة الذكر، وعلى ذلك ليس للمنتفع أن يؤجر العين المنتفع بها إلا للمدة التي يبقى فيها حق الانتفاع قائما لأنه بطبيعته حق مؤقت ولايجوز بحال أن يبقى الإيجار بعد انتهاء حق الانتفاع، وفي حال ما إذا انتهى الإيجار بانتهاء حق الانتفاع لعدم إقراره من قبل مالك الرقبة لايحكم على المستأجر بالإخلاء فورا بل يجب على المالك أن ينبه عليه بالإخلاء في المواعيد المبينة في المادة/531/ من القانون المدني وإذا كانت العين أرضا زراعية لم يجز إنهاء الإيجار قبل نقل المحصولات ولو اقتضى هذا النقل وقتا أطول من الميعاد المقرر للتنبيه بالإخلاء.


وقد أرسى دعائم هذا المبدأ الدكتور وحيد الدين سوار في كتابه(الحقوق العينية الأصلية-منشورات جامعة دمشق-الفقرة/650 - ب/الصفحة/794 ومابعد/).

وفي حال مات المنتفع قبل انقضاء مدة عقد الإيجار فإن الإيجار ينتهي بموت المنتفع لزوال حق الانتفاع ولكن إذا أقر مالك الرقبة الإيجار مقدما أو عند موت المنتفع فإن العقد يبقى قائما في الفترة المتبقية من عقد الإيجار لا بين المستأجر وورثة المنتفع بل بين المستأجر ومالك الرقبة الذي يستعيد الملكية التامة بموت المنتفع وتعليل ذلك أن صاحب حق الانتفاع يعتبر فضوليا فيما بقي من المدة بعد عودة حق الانتفاع إلى مالك الرقبة فإذا أقر مالك الرقبة-[وقد أصبح الآن مالكا أيضا لحق الانتفاع]- الإيجار أصبح العقد ساريا بينه وبين المستأجر.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري-الجزء السادس/المجلد الأول : عقد الإيجار/- دار إحياء التراث العربي في بيروت- الفقرة/37/-الصفحة/47 مع الهامش/).


إن انتهاء عقد الإيجار الذي يعقده المنتفع بموت هذا المنتفع هو حكم يسري أيضا على العقارات المؤجرة الخاضعة للتمديد الحكمي ولا يغير من ذلك أن قوانين الإيجارات تعد استثناء من القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني وأن أسباب الإخلاء محددة على سبيل الحصر وليس من بين هذه الأسباب وفاة المنتفع الذي قام بتأجير العقار؛ لأن الشيء المؤجر من الناحية القانونية الدقيقة ليس هو ذات العين المؤجرة بل هو الحق الذي يكون للمؤجر على هذه العين فتارة وهذا هو الغالب يكون للمؤجر على العين المؤجرة حق ملكية فيؤجر في هذه الحالة حق ملكيته ولما كان حق الملكية يمتزج بالشيء المملوك ويصبحان شيئا واحدا لذلك كان المألوف أن يقال إن المؤجر يؤجر العين المؤجرة ذاتها لا حق ملكيته فيها .


وتارة يكون للمؤجر على العين المؤجرة حق دون حق الملكية وهذا الحق قد يكون حقا عينيا كحق الانتفاع فيؤجر المؤجر حق الانتفاع لا حق الملكية لأنه يملك الانتفاع دون الملكية، وقد يكون هذا الحق حقا شخصيا كحق المستأجر فيؤجر المؤجر حقه كمستأجر لمستأجر من الباطن.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري- الجزء السادس/المجلد الأول: عقد الإيجار/منشورات دار إحياء التراث العربي في بيروت- الققرة/102/- الصفحة/125/) بناء على ماتقدم ولما كان محل التزام المنتفع المؤجر هو حقه في الانتفاع على العقار المؤجر فإن سقوط حق الانتفاع بوفاة المنتفع يعادل في أثره هلاك العين المؤجرة فيما يتعلق بانتهاء عقد الإيجار لاستحالة محله وهذا مانصت عليه المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري{ إن الشيء المؤجر قد يكون حقا عينيا أو حقا شخصيا ومن الحقوق العينية التي تؤجر حق الانتفاع، وينقضي الإيجار بانقضاء هذا الحق كما ينقضي بهلاك العين المؤجرة}

 ويأخذ بتفسير المذكرة الإيضاحية جانب من الفقه وهو تفسير يقوم على فكرتين: الأولى أن الشيء المؤجر هو حق المؤجر سواء كان حق ملكية أو حق انتفاع أو حق إيجار، والثانية: أن انقضاء حق المؤجر يساوي هلاك الشيء ويؤدي إلى انقضاء الإيجار لاستحالة محله. ومما يدل بوضوح على أن الشيء المؤجر هو حق المؤجر وليس العين المؤجرة ذاتها، أن الاتفاق قد يتعلق ببعض حق المؤجر على العين وليس بكل حقه مثال ذلك الإيجار للصيد فهو يعطي للمستأجر أن يقوم بالصيد في الأرض المؤجرة دون الاستفادة بمنافعها الأخرى فلا يقال في هذا المثال أن الشيء المؤجر هو الأرض ذاتها بل هو بعض حق المؤجر على الأرض(عقد الإيجار- الدكتور سمير تناغو أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق/ جامعة الإسكندرية- توزيع منشأة المعارف في مصر -طبعة/2008/- الفقرتان/20؛ 38/-الصفحتان/36 ؛ 70).


ولابد من الأخذ في الحسبان أن المنتفع عندما يؤجر العين لايفعل ذلك بموجب حق الإدارة وإلا لما جاز له أن يزيد على ثلاث سنوات فهو إذن لايدير العين نائبا عن الغير وإنما يستعمل حقه الأصيل في الانتفاع، وإذا زادت مدة عقد الإيجار عن ثلاث سنوات فلابد من تسجيله في السجل العقاري استنادا للمادة/16/ من قانون السجل العقاري الصادر بالقرار/188 ل.ر/ لعام 1926(إن عقود الإيجار التي أعلنت بقيدها في السجل العقاري تعارض الحقوق التي تسجل بعدها أما إذا لم تسجل فلا تعارض حق الغير في كل مدة تتجاوز ثلاث سنين) ومعنى (تعارض) أي (تسري على).


ومفاد هذا النص أن الإجارة إذا كانت لمدة لاتزيد على ثلاث سنوات فإنها تنفذ في حق العاقدين والغير وإن لم تكن مسجلة في السجل العقاري، أما إذا تجاوزت مدتها ثلاث سنوات فإنها تعد نافذة في حق العاقدين ولو لم تكن مسجلة في السجل العقاري إلا أنها لاتنفذ في حق الغير.(الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري- الجزء السادس/المجلد الأول: عقد الإيجار/-منشورات دار إحياء التراث العربي في بيروت- الفقرة/37/- الصفحة/46/؛؛ الحقوق العينية الأصلية للدكتور وحيد الدين سوار- منشورات جامعة دمشق-الفقرة/359/- الصفحة/528/).
بقلم المحامي أ.تاج الدين حسن
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع