القائمة الرئيسية

الصفحات

حقوق الانسان ثقافة مجتمعية ام تربية دينية بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

حقوق الانسان ثقافة مجتمعية ام تربية دينية

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

معهد العلمين للدراسات العليا



حقوق الانسان ثقافة مجتمعية ام تربية دينية

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

 

      منذ يوم امس ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي تتناقل مشهد مصور يوثق انتهاكا صارخا للكرامة الانسانية من قبل مكلفين بحفظ النظام في التظاهرات وهو ما يتعارض مع المعايير التي اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها المرقم (34/169) والصادر في كانون الاول من عام 1979والذي بين في المادة الثانية منه من مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بأنفاذ القانون اثناء قيامهم بواجبهم بان يحترموا الكرامة الانسانية ويحمونها ويحافظون على حقوق الانسان لكل شخص وان يعملوا على توطيدها مع منع استعمال القوة الا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم ، اي لا يجوز استعمال القوة بشكل لا يتناسب مع الهدف المشروع المطلوب تحقيقه بالحفاظ على سلمية المظاهرات او الحفاظ على الامن والسلم المجتمعي وهو ما تأكد في المبدأين الثالث والرابع عشر على التوالي في تقييد استعمال الاسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بأنفاذ القانون.

    اذن فالعنف بكافة اشكاله امر منبوذ على كافة الاصعدة ، فكرامة الانسان مصونة في نطاق القانون الدولي او دستور الدولة او قوانينها ، فدستور جمهورية العراق لسنة 2005 اقر كرامة الانسان  الفصل الثاني منه والمتعلق بالحريات في المادة ( 37/ اولا/ أ) والتي تنص على : ( حرية الانسان وكرامته مصونة ) لتعود لتؤكد المادة ذاتها في الفقرة (ج) منها على : (يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية ولا عبرة باي اعتراف لنتزع بالإكراه او التهديد او التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقا للقانون) اذن القانون الدولي والدستور العراقي في حالة من التوافق في رفض التعذيب والمعاملة القاسية او اللاإنسانية والمهينة واي سلوك  مخالفا لذلك يعد انتهاكا صارخا لقواعد دولية ودستورية لما لتلك الانتهاكات من انعكاسات سلبية تترك اثرها على العلاقة بين الافراد واولئك المكلفين ليسود جوا من انعدام الثقة وعدم الطمأنينة بوجودهم وهو عكس المطلوب بان يكون هؤلاء مصدرا للطمأنينة بانهم وجدوا لحماية الافراد والسهر على راحتهم .

     ولم يكن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل النافذ والذي تناول في المادة ( 332) منه الحماية الجنائية التي يوفرها القانون اعلاه للإفراد لحماية شرفهم واجسادهم من التعرض للآلام ، ومن المادة اعلاه تعد القسوة كل سلوك يشكل خطرا على الحياة او على سلامة الجسم مما يسبب الما ماديا او معنويا من شانه ان يثير توفعا معقولا لوقوع هذا الخطر ، فالقسوة هنا هي سلوك غير مشروع يصدر عن موظف او مكاف بخدمة عامة يتجاوز فيه حدود وظيفته يتسم بالشدة والغلظة بما ينتج عنه الاخلال او الاعتداء او خدش شرف المعتدى عليه او احداث الم ببدنه وهو ما يمثل تعارضا مع السلوك الوظيفي القويم، فأحداث الم بجسد المجنى عليه يتعارض مع المصلحة والحق في التحرر من ذلك الالم والذي يعبر عنه  فقهاء القانون الجنائي بالحق في السكينة الجسدية وهو احد اهم عناصر حق الانسان في السلامة الجسدية والتحرر من الشعور بالألم وعدم الارتياح ويدخل في ذلك الصفع او المسك بقصد الايلام او اي سلوك يكون الهدف منه الايذاء الجسدي لكيان الانسان يعمد اليه الجاني مستغلا وظيفته لارتكاب فعل الاعتداء.

    اما المشرع العراقي فإضافة لتأكيده في نص المادة (37) من الدستور والتي تناولناها مسبقا والحماية الجناية التي اقرها قانون العقوبات النافذ عمد في القانون المدني رقم ( 40 ) لسنة 1950 للتأكيد على المسؤولية المدنية والتعويض لمن لحقه ضررا ماديا ومعنويا وهو ما يتوافق ونص الدستور في نص المادة (37) في العبارة التي تنص على : ( ....بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقا للقانون) ، اذن فالمشرع قد عمد لتوفير الحماية للمصالح اعلاه في اكثر من فرع من فروع القانون ولا سيما ان تحققت ظروف الجريمة من سلوك اجرامي يتمثل بفعل القسوة والتي تمثل سلوكا ايجابي او سلبي والذي يقع بفعل مادي او معنوي وهو ما نجده قد تحقق بالأخلال بشرف المجني عليه او اعتباره لتتحقق النتيجة الجرمية كاثر لذلك السلوك الجرمي وهو فعل القسوة والاعتداء ليكون القصد الجرمي في هذه الجرائم هو السلوك العمدي باستبعاد الخطأ فالسلوك او النشاط الجرمي هنا يصدر عن مكلف بخدمة عامة مستغلا وظيفته فهو متعمد لاستعمال القسوة عالما بصفته الوظيفية فلا يتوقع الخطأ هنا وهو ما نجده في نص المادة (332) اذ لم يتطرق المشرع العراقي لعنصر الخطأ في تلك الجريمة وهو ما يعني استبعاده لتكون من الجرائم التي تتطلب قصدا جرميا عمديا مستغلا صفته الوظيفية وهو الركن المفترض في هذه الجريمة .

     ليضع المشرع عقوبة لتلك الجريمة وفق ما جاءت المادة (332) والتي تنص على: (...بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف او مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع احد الناس متعمدا في ذلك على وظيفته فأخل باعتباره او شرفه او احدث الما ببدنه وذلك دون الاخلال باي عقوبة أشد ينص عليها القانون).

    ولم تكن الشريعة الاسلامية بمنائ عن تكريم الانسان لقوله تعالى في سورة الاسراء : (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ليظهر التكريم الالهي في مواضع عدة من كتابه الكريم في تكريمه بالعقل وجوده وحقوقه وتفضيله عن سائر المخلوقات وتسخير ما في الكون للإنسان ، لتكون تلك اشارات قوية ومؤكدة على كون الانسان مخلوقا مكرما ومفضلا فقد صوره في احسن صورة وامر الملائكة بالسجود له واسكنه فسيح جناته قبل ان يسكن الارض كل تلك دلال على تكريمه لمخلوق منحه الخالق خصائص فكرية وبيولوجية ونفسية لم تقدر لمخلوق غيره ، ليتجلى التكريم الالهي في تسخير المخلوقات لخدمته وتوفير حاجاته وتخفيف المشقة عنه لتكون القدرة الالهية بان يكون احسن خلقه ومعجزة الهية قائمة في خلقه في احسن تقويم .

ليكون الاسلام قد قدم اروع صورة لتكريم الانسان سابقا بذلك المواثيق والعهود الدولية المعنية بحقوق الانسان والدفاع عنها .

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع