القائمة الرئيسية

الصفحات

القضاء الاداري وكشف عيوب التشريع بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

 

القضاء الاداري وكشف عيوب التشريع

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

معهد العلمين للدراسات العليا

 

 

القضاء الاداري وكشف عيوب التشريع

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي معهد العلمين للدراسات العليا

 

    يمثل غموض القاعدة القانونية عقبة امام تطبيق وتنفيذ القانون وتتفاوت هذه المشكلة من قانون لأخر فعلى سبيل المثال لا يمثل ذلك اشكالا في قانون العقوبات لكون القاضي محكوم بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص لينحصر دور القاضي الجنائي بتفسير وتأويل ما غمض من القانون مع تضائل احتمال كهذا ، اما في القانون الاداري فقد نجد ان الغموض والتعارض صفة ملازمة للقانون الاداري ليشكل النقص سمة بارزة له والتي يتصف بها بحكم طبيعته المرنة وسرعة تطوره وهو ما يزيد عبء الاجتهاد لدى القاضي الاداري مقارنة بالقاضي الجنائي وهو ما يظهر الحاجة للاجتهاد لسد تلك الثغرات التشريعية في ظل قصور الصياغة التشريعية عن ادراك ما يراد حله من اشكاليات ولا سيما عند تغير الظروف بعد سن التشريع.

    وهو ما يدفع المشرع لملاحقتها بالتعديل والالغاء بشكل متواصل لتلافي ذلك القصور وسد تلك الشواغر ، الا ان ذلك لا ينهي المشكلة فهي تظل قائمة لان القصور يتعلق بالنصوص الوضعية اينما وجدت ، وهو ما يجعل القاضي عند بحثه في الوسائل التي تكفل اكمال ذلك القصور يسهم في تكوين القاعدة القانونية خارجا عن التشريع والمصادر الاخرى للقاعدة القانونية .

    فدور القاضي الاداري لا يتوقف عند تطبيق القانون كما هو الحال في القاضي المدني او الجنائي اذ يتميز دوره بإمكانية انشاء قواعد قانونية تتوافق والمصلحة العامة والتي تتكفل الادارة بتحقيقها  ، فالقانون الاداري كقانون غير مقنن يتميز بمرونة احكامه وسرعة تطوره وهو ما يرد لحداثته اذ تبلورت نظرياته ومبادئه في عهد قريب لهذا يعد حديثا مقارنة بالقانون المدني او التجاري الذين تمتد جذورهما لحقبة زمنية اقدم ، الا ان سرعة تطوره نظرا لارتباطه بالحياة الادارية المتسمة بالتغير السريع وفق ما ترتأيه متطلبات التطور في المجتمع على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وهو ما يجعل ملاحقة تلك المتغيرات امرا يولد قصورا تشريعيا قد لا تسعفه القواعد المتداولة الامر الذي يجعلها متخلفة عن مواكبة ذلك التطور ، لتكون حتمية دور القاضي الاداري الانشائي في خلق وابتكار القواعد والمبادئ التي تسهم تطور القانون الاداري مستهدفا بذلك تحقيق التوازن بين المصلحة العامة ومصالح الافراد ، وهنا لابد وان تكون لدى القاضي الاداري القدرة القانونية على ابتكار المبادئ والقواعد القانونية التي تضمن تحقيق ذلك التوازن كل ذلك بالتوافق مع مبدأ المشروعية ، الا ان ذلك لا يعني ان نكون امام القاضي المشرع فالنظام الدستوري لكل دولة يعمد لتخصيص هيئة تتولى مهمة انشاء القواعد القانونية التي يلتزم القاضي بتطبيقها دون امكانية استبعادها لعدم ملائمتها لان ذلك يخرج من نطاق اختصاصه ويضعنا امام التداخل بين السلطات ، الا ان ذلك لا ينفي دور القاضي الابداعي لاستنباط الاحكام القانونية في الاحوال التي يحكمها نص تشريعي معين او لسد القصور في التشريع دون ان يحل محل المشرع كما هو الحال في القضاء الفرنسي الذي يجعل الحكم القضائي قانونا ، وعلى الرغم من الآراء الداعية لتقنين قواعد القانون الاداري انطلاقا من اقامة نظام قانوني متكامل يتسم بوضوح وثبات القواعد القانونية دون ترك التقنين الذي يسهم في تجهيل الافراد المخاطبين بالقواعد القانونية التي تنظم وتحكم حقوقهم وهو ما يجعله بذلك تصف بالطابع السري ، الا ان ذلك لا ينفي ان القضاء الاداري مازال في مستهل الطريق في ابتداع الحلول المناسبة للعلاقات القانونية كقضاء انشائي ، فكلا من المشرع والقاضي يتفقان بتحقيق الهدف من وجود القاعدة القانونية لتكون نقطة التماس بين وظيفتهما كل في حدود سلطته وقدرته وان كانت سلطة القاضي اشد ضيقا لأنه يشرع لسد ثغرات في القانون بما يتفق والقواعد القانونية التي تقرها الدولة ، فالحكم القضائي في نطاق القانون الاداري يكون وليد الظرف الواقعي ومستجدات الحياة بما يتعلق بنشاط الادارة وهو ما يمنح قواعد القانون الاداري المرونة لكونها لا تتقيد دائما بنصوص تشريعية او سوابق قضائية وهو ما يمنحها الصفة العملية تعمل على ضمان استمراريته وفعاليته مع تطور متطلبات الحياة وهو ما يمثل حالة الترابط مع ما يجري من تطورات في المجتمع يتطلب تطور القواعد التي تحكمه واستحداث قواعد جديدة تواكب ذلك التطور ، الا ان ذلك لا يمنح القاضي امكانية التحلل من اي مبدأ قانوني حتى لا يبتعد عن الاسس الموضوعية والخضوع لاجتهادات شخصية اي ان القاضي مقيد في استلهام العدالة الموضوعية وحر في الطريقة التي يتوصل بها لخلق تلك العدالة عبر الموازنة بين بين حقوق الافراد وامتيازات السلطة العامة دون امكانية الامتناع عن الفصل في القضية بحجة انعدام النص القانوني الذي يحكمها ولا عد منكرا للعدالة ، وعلى الرغم من تباين القوانين في التعاطي مع ذلك الامر فمنها من اكتفى بالزام القاضي بالحكم بالقضية دون تحديد وسائل الاجتهاد ومنها من حدد وسائل الاجتهاد وفي كلا الحالتين يعبر الامر عن جوهر العملية القضائية في ابتكار المبادئ العامة للقانون وهو دور لا يتسم بالسهولة فتصدي القاضي الاداري للمنازعة الادارية احد اهم الوسائل التي تسهم تقويم العمل الاداري بما يتفق والعدالة ومصلحة الافراد ليكون بذلك مبدعها ومنشئها.

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع