القائمة الرئيسية

الصفحات

ممارسة التصويت حق أم واجب؟ بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

 

ممارسة التصويت حق أم واجب؟

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي


 

ممارسة التصويت حق أم واجب؟

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

     بشكل أكثر تحديدًا يثار التساؤل  ما هي الحجج الرئيسية لاعتبار التصويت على أنه مسؤولية مدنية إلزامية (حيث يمكن معاقبة غير الناخبين) هل هو حق قد يختار أو لا يختاره المواطن بحرية ،  وكم عدد الدول في العالم التي تستخدم حاليًا أحكام التصويت هذه.

    تعالج عدة دول مسألة المشاركة باستخدام التصويت الإجباري بما في ذلك أستراليا وبلجيكا واليونان والعديد من البلدان في أمريكا اللاتينية لكن العديد من الدول الأخرى ترفض التصويت الإجباري من حيث المبدأ  في حين أنه من المحتمل أن يكون متوافقًا بنفس القدر مع أي نظام انتخابي ، يمكن النظر في استخدامه في وقت واحد مع القضايا الأخرى المتعلقة بالإقبال على المشاركة فيها أذ ان معظم الحكومات الديمقراطية تعتبر المشاركة في الانتخابات الوطنية حق للمواطن في حين  يعتبر البعض الاخر بأن المشاركة في الانتخابات هي أيضًا مسؤولية مدنية للمواطن  في بعض البلدان  حيث يعتبر التصويت واجبًا  ليصبح التصويت في الانتخابات إلزاميًا ويتم تنظيمه في الدساتير الوطنية والقوانين الانتخابية اذ تذهب بعض الدول إلى حد فرض عقوبات على غير الناخبين.

     التصويت الإجباري ليس مفهوما جديدا  كانت بلجيكا عام 1892 والأرجنتين عام 1914 وأستراليا عام 1924 من أوائل الدول التي أدخلت قوانين التصويت الإلزامية، هناك أيضًا أمثلة لبلدان مثل إيطاليا وفنزويلا وهولندا التي مارست في وقت ما في تاريخها التصويت الإجباري  لكنها ألغتها منذ ذلك الحين.

     المؤيدون للتصويت الاجباري يدافعون عن رأيهم ذلك بالقول بأن القرارات التي تتخذها الحكومات المنتخبة ديمقراطياً تكون أكثر شرعية عندما تشارك نسب أعلى من السكان  كما يجادلون بأن التصويت  طوعًا أو غير ذلك  له تأثير تعليمي على المواطنين في تدريبهم على ممارسة حقهم الانتخابي ، كما  يمكن الأحزاب السياسية جني فوائد مالية من التصويت الإلزامي ، حيث لا يتعين عليهم إنفاق الموارد لإقناع الناخبين بأنه ينبغي عليهم التصويت بشكل عام ومن باب اخر إذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب فمن المفترض أن يشمل ذلك جميع الناس لذا فإن مسؤولية كل مواطن هو انتخاب ممثليه.

    اما المعارضون لذلك فيبررون الحجة الرئيسية ضد التصويت الإجباري هي أنه لا يتماشى مع الحرية المرتبطة بالديمقراطية فالتصويت ليس التزاما جوهريا وإن تطبيق القانون سيكون انتهاكا لحرية المواطنين المرتبطة بالانتخابات الديمقراطية بما قد يثبط التثقيف السياسي للناخبين لأن الأشخاص الذين يجبرون على المشاركة سوف يتصرفون ضد المصدر المتصور للقمع.

     وهل الحكومة حقًا أكثر شرعية إذا كانت نسبة الإقبال المرتفعة ضد إرادة الناخبين؟  قد لا تتمكن العديد من البلدان ذات القدرات المالية المحدودة من تبرير نفقات الحفاظ على قوانين التصويت الإجباري وإنفاذها فقد ثبت أن إجبار السكان على التصويت يؤدي إلى زيادة عدد الأصوات الباطلة والبطاقات الانتخابية الفارغة مقارنة بالدول التي ليس لديها قوانين تصويت إلزامية.

    من النتائج الأخرى للتصويت الإلزامي احتمال ارتفاع عدد "الأصوات العشوائية"  يمكن للناخبين الذين يصوتون ضد إرادتهم الحرة أن يصوت لمرشحًا بشكل عشوائيً  وخاصة المرشح الأعلى في الاقتراع اذ لا يكترث الناخب لمن يصوت ما دامت الحكومة راضية عن قيامهم بواجبهم المدني.  لكن ما هو تأثير هذه الفئة غير القابلة للقياس من الأصوات العشوائية على شرعية الحكومة المنتخبة ديمقراطياً؟

    لذا فإن الرقم الذي يصور العدد الدقيق للبلدان التي تمارس التصويت الإلزامي هو أمر تعسفي تمامًا، اذ  إن مجرد وجود أو عدم وجود قوانين تصويت إلزامية في الدستور هو أمر في غاية البساطة  فمن الأكثر إيجابية تحليل التصويت الإجباري باعتباره طيفًا يتراوح من قانون رمزي  لكنه عاجز في الأساس  إلى حكومة تقوم بمتابعة منهجية لكل مواطن لا يصوت وله حق  التصويت وتنفيذ العقوبات ضدهم.

 يشير ذلك إلى أن بعض البلدان لديها رسميًا قوانين تصويت إلزامية ولكنها لا تملك  وليس لديها نية  إنفاذها ووضعها موضع التطبيق وذلك  لوجود مجموعة متنوعة من الأسباب المحتملة لذلك ومنها:

     لم يتم تشريع جميع القوانين ليتم إنفاذها على ارض الواقع اذ   تم وضع بعض القوانين لمجرد توضيح موقف الحكومة فيما يتعلق بما ينبغي أن تكون عليه مسؤولية المواطن لذا  قد تندرج قوانين التصويت الإلزامية التي لا تتضمن عقوبات ضمن هذه الفئة ، على الرغم من أن الحكومة قد لا تفرض قوانين التصويت الإلزامية على المواطنين أو حتى عقوبات رسمية في القانون لفشلها في الحصول على اصوات الناخبين خلال عملية التصويت  ،لذا يكون هنا للقانون بعض التأثير على المواطنين  على سبيل المثال  التصويت في النمسا إلزامي في منطقتين فقط  مع تطبيق العقوبات بشكل ضعيف ومع ذلك  تتمتع هذه المناطق بمتوسط   إقبال أعلى من المتوسط الوطني خلال العملية الانتخابية ، وقد تكون الأسباب المحتملة الأخرى لعدم إنفاذ القوانين هي التعقيد والموارد المطلوبة للتنفيذ  فالدول ذات الميزانيات المحدودة قد لا تضع إنفاذ قوانين التصويت الإلزامية كأولوية عالية في التطبيق ومع ذلك فهي تأمل أن يؤدي وجود القانون إلى تشجيع المواطنين على المشاركة.

     اذن هل يمكن اعتبار دولة ما تمارس التصويت الإجباري إذا تم تجاهل قوانين التصويت الإلزامية وغير مرتبطة بعادات التصويت للناخبين؟  هل تمارس الدولة التصويت الإجباري إذا لم تكن هناك عقوبات لعدم التصويت؟  ماذا لو كانت هناك عقوبات على عدم التصويت ولكنها لم تنفذ أو يتم تنفيذها بشكل نادر؟  أو إذا كانت العقوبة تافهة؟

    تقدم العديد من البلدان ثغرات  عن قصد أو بغير قصد  مما يسمح لغير الناخبين بالإفلات من العقاب لامتناعهم عن التصويت على سبيل المثال  في العديد من البلدان  لا يلزم التصويت إلا إذا كنت ناخبًا مسجلاً  ولكن التسجيل ليس إلزاميًا،  قد يكون لدى الأشخاص دوافع لعدم التسجيل في كثير من الحالات ، مثل أستراليا  فإن العذر المقبول للغياب في يوم الانتخابات سيجنب العقوبات.

    إن الأشكال المتنوعة التي اتخذها التصويت الإجباري في بلدان مختلفة تعيد تركيز النظرة إليه بعيدًا عن الممارسة الحالية أو الغائبة للدول إلى دراسة الدرجة والطريقة التي تجبر بها الحكومة مواطنيها على المشاركة فقد يواجه غير الناخب عقوبة غرامة  يختلف مقدارها بين البلدان  على سبيل المثال 3 فرنك سويسري في سويسرا ، وبين 300 و 3000 شلن نمساوي ، و 200 جنيه قبرصي في قبرص ، و 10-20 بيزو أرجنتيني في الأرجنتين ، و 20 سولًا في بيرو ،ومن الممكن ان يكون السجن مصير الممتنع عن التصويت في الانتخابات  اذ قد يواجه غير الناخب عقوبة السجن او الغرامة كما هو الحال في أستراليا حيث تشيع عقوبة الغرامة  في الحالات التي لا يدفع فيها غير الناخب الغرامات بعد تذكيره أو بعد رفضه عدة مرات  يجوز للمحاكم أن تفرض عقوبة السجن  وعادة ما يصنف هذا على أنه عقوبة السجن لعدم دفع الغرامة  وليس السجن لعدم التصويت.

    التعدي على الحقوق المدنية أو التجريد من الحقوق  على سبيل المثال من الممكن أن يُحرم غير الناخب في بلجيكا  بعد عدم التصويت في أربعة انتخابات على الأقل في غضون 15 عامًا ، في بيرو يتعين على الناخب أن يحمل بطاقة تصويت مختومة لعدد من الأشهر بعد الانتخابات كدليل على التصويت  هذا الختم مطلوب من أجل الحصول على بعض الخدمات والسلع من بعض المكاتب العامة،  في سنغافورة  يتم حذف الناخب من سجل الناخبين حتى يتقدم مرة أخرى ليتم إدراجه ويقدم سببًا مشروعًا لعدم التصويت ، في بوليفيا  يُمنح الناخب بطاقة عندما يصوت حتى يتمكن من إثبات مشاركته  ولن يتمكن الناخب من استلام راتبه من البنك إذا لم يتمكن من تقديم دليل على التصويت خلال ثلاثة أشهر بعد الانتخابات،  وعلى سبيل المثال في بلجيكا  قد يكون من الصعب الحصول على وظيفة في القطاع العام إذا لم تكن ناخبًا ، أو صعوبة الحصول على جواز سفر جديد أو رخصة قيادة جديدة في اليونان، لا توجد عقوبات رسمية على المكسيك أو إيطاليا ولكن هناك عقوبات تعسفية أو اجتماعية محتملة  وهذا ما يسمى "العقوبة غير الضارة" في إيطاليا ، حيث قد يكون من الصعب على سبيل المثال الحصول على مكان للرعاية النهارية لطفلك أو ما شابه  ولكن هذا لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه بأي شكل من الأشكال على الإطلاق.

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع