القائمة الرئيسية

الصفحات

عودة طالبان وعودة الارهاب الدولي د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

عودة طالبان وعودة الارهاب الدولي

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

عودة طالبان وعودة الارهاب الدولي

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

    كان تحديد الموعد النهائي غير الحكيم لسحب القوات الأمريكية بالكامل من أفغانستان بحلول 11 ايلول من عام 2021 ( الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر) الذي حدده الرئيس جو بايدن هو أول الاشارات  إلى أن إدارته لم تعمد الى التخطيط الجاد للتخفيف من الآثار السلبية العالمية لذلك الانسحاب ، فتأثير مثل هذا القرار وما يترتب على ذلك من تحديد الموعد النهائي لـ 11 أيلول  والذي تم تغييره إلى 31 آب والذي أظهر أن بايدن كان يفتقر إلى تقدير التهديدات الإرهابية التي لا تزال تنبثق من البلاد والوعي بأنه منح الإرهابيين مبررين للترحيب بهذا القرار.

   فالافتقار إلى التخطيط لمواصلة حماية مصالح الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والتخفيف من تأثير الانسحاب على الشركاء الأفغان الذين دخلت معهم الولايات المتحدة في شراكة على مدار العشرين عامًا الماضية كان واضحًا، على الرغم من تعهد بايدن بالحفاظ على قدرة مكافحة الإرهاب  حول العالم الا ان ذلك ما يزال غير واضح ما الذي ينطوي عليه ذلك التعهد، وما هي المبادئ التوجيهية لاستخدامها ، وكيف سيكون هذا الخيار أكثر أمانًا أو أكثر فعالية من حيث التكلفة من الحفاظ على الحد الأدنى من وجود مكافحة الإرهاب داخل أفغانستان، اذ طالبت الولايات المتحدة ما يقرب من( 16000 ) مقاول بمغادرة البلاد  على الرغم من أن الأفغان يعتمدون عليهم في صيانة وإصلاح معداتهم العسكرية الأكثر أهمية ، وهي الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والطائرات ذات الأجنحة الدوارة، وعلى الرغم من اعتراف بايدن بهذه المشكلة وبيان التزامهم  بتزويد الأفغان بما يحتاجونه للحفاظ على قدراتهم الجوية، من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في توفير غطاء جوي لقوات الأمن الأفغانية ، وإذا كان الأمر كذلك ، فما هي الظروف المؤكدة باستمرار الدعم الجوي الأمريكي للأفغان ، والذي حتى لو تم تنفيذه من قواعد خارج البلاد  فمن شأنه أن يساعدهم على التمسك بعواصم المقاطعات ومقاومة التقدم العسكري لطالبان في مناطق رئيسية أخرى وهو ما اظهر عدم جديته بوصول عناصر طالبان الى العاصمة الافغانية كابول واستقالة الرئيس وهو ما يظهر بأن طالبان لا تزال مرتبطة بالإرهابيين وملتزمة بالعنف ، وبهذا نجد فريق بايدن يسير على خطى إدارة ترامب ، ويقوم بعدة حسابات خاطئة بشأن طالبان ، مما سيؤدي إلى تفاقم الآثار السلبية للانسحاب ويقوض قدرة الولايات المتحدة على حماية مصالحها في مكافحة الإرهاب،  ما لم تطور إدارة بايدن سياستها بما يتماشى مع الحقائق الأرضية في أفغانستان ، فإنها تخاطر بتسهيل عودة طالبان إلى السلطة وإعادة إنشاء ملاذات الإرهابيين.

   بعد سبعة عشر شهرًا من توقيع اتفاق الدوحة  ظلت طالبان على ارتباط وثيق مع القاعدة ولم تُظهر أي مؤشر على أنها ستعامل المجموعة الإرهابية العالمية بشكل مختلف عما كانت عليه قبل هجمات الحادي عشر من ايلول  ، اذ بين تقرير للأمم المتحدة في تقرير صدر في أوائل  حزيران إن أعداداً كبيرة من مقاتلي القاعدة وعناصر إرهابية أخرى متحالفة مع طالبان موجودون في أجزاء مختلفة من أفغانستان واحتفلوا بخروج القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من البلاد باعتباره انتصاراً للراديكالية العالمية، بينما ينص اتفاق الدوحة على أن طالبان ستصدر تعليمات لأعضائها بعدم التعاون مع الجماعات التي تشكل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفائها ، فإن منسق الأمم المتحدة لشؤون الدولة الإسلامية وفريق مراقبة القاعدة وطالبان ( إدموند فيتون براون ) بينت  في تشرين الاول الماضي إن طالبان وعدت القاعدة  قبل وقت قصير من توقيع اتفاق الدوحة  بأن الجماعتين ستظلان في الواقع حليفتين،  وفي  تشرين الأول من عام 2020 أيضًا  قتلت القوات الأفغانية قياديًا مصريًا بارزًا في تنظيم القاعدة في منطقة تسيطر عليها حركة طالبان في ولاية غزنة ، مما يدل أيضًا على استمرار تعاون طالبان والقاعدة.

   بالنظر إلى الروابط المستمرة بين طالبان والقاعدة ، من الواضح بشكل متزايد أن ادعاء وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في آذار من عام 2020 كان مضللًا أن الطالبان قد  انفصلوا عن القاعدة، بالنظر إلى أن أساس إرسال القوات الأمريكية إلى أفغانستان كان القضاء على القاعدة ، فإن اتفاقية الدوحة على الأقل كان يجب أن تطالب طالبان بطرد القاعدة وقطع العلاقات معها علنًا، إذا كانت اللغة الضعيفة التي تم الاتفاق عليها في وثيقة الدوحة هي أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تستخلصه من طالبان ، لكان من الأفضل ترك ما يسمى بـ (اتفاق السلام) على الطاولة عندما وصلت إدارة بايدن إلى السلطة في وقت سابق من هذا العام ، أتيحت لها الفرصة لإعادة تقييم اتفاقية الدوحة وصياغة استراتيجيتها الخاصة بأفغانستان، وبدلاً من ذلك  قرر فريق بايدن التمسك بالاتفاق المعيب وواصل جهودًا مضللة لتسريع محادثات السلام بين الأفغان من خلال إلغاء الإدارة الأفغانية الحالية لصالح حكومة مؤقتة ،وهو ما اظهر فشل السياسة الامريكية في افغانستان.

   وبينما استؤنفت المحادثات بين طالبان وفريق التفاوض الذي تقوده أفغانستان في الدوحة خلال عطلة نهاية الشهر الماضي ، فلم تكن هنالك مؤشرات على أنها ستحرز تقدمًا، وهو ما يتأكد بحملة طالبان للقيام بالعديد من الاغتيالات الموجهة للعاملين في مجال حقوق الإنسان والقضاة والصحفيين وهجومها العسكري الحالي في جميع أنحاء البلاد يكشف حقيقة أن وثيقة الدوحة هي انسحاب وليس اتفاق سلام، وهو ما ظهر  باعتراف الرئيس أشرف غني المسبق بأن الاستجابة للمطالب الأمريكية لحكومته بالإفراج عن( 5000) سجين من سجناء طالبان المتشددة من السجن العام الماضي كان خطأً كبيراً، وأن طالبان ليس لديها نية واستعداد للسلام.

   إن عدم استعداد طالبان لتقديم تنازلات في محادثات السلام هو أحد المؤشرات على أن وجهات نظرهم تجاه السياسة والحكم والمرأة والأقليات لم تتطور على الأرجح بشكل كبير منذ أن حكموا البلاد في أواخر التسعينيات، في حين يعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن ثقتهم في أن رغبة طالبان في الحصول على المساعدة الدولية والشرعية ستساعد في تلطيف سلوكهم في المستقبل ، فإن مذكرة مجلس الاستخبارات الوطنية التي رفعت عنها السرية مؤخرًا تقدر أن طالبان (تظل متسقة إلى حد كبير في نهجها بتقييد لحقوق المرأة وستعمد الى محو الكثير من التقدم الذي تم إحرازه خلال العقدين الماضيين إذا استعادت المجموعة السلطة الوطنية ، في العديد من المناطق الأفغانية الخاضعة حاليًا لسيطرة طالبان بعد ان باتت تسيطر على اكثر من ثلثي البلاد يتم حظر النساء بشكل عام من العمل خارج المنزل ويمكن للفتيات فقط الذهاب إلى المدرسة حتى المرحلة الابتدائية.

   ليكون ذلك ايذانا بعودة ظهور التهديدات الإرهابية مع صعود نجم طالبان في أفغانستان  خاصة إذا كانوا قادرين على بسط سيطرتهم في معظم أو كل أجزاء البلاد ، من شبه المؤكد أن ذلك يعد الهاما للمتطرفين في جميع أنحاء العالم، بينما تروج كل من طالبان والقاعدة لرواية هزيمة الولايات المتحدة وأكثر من( 40) دولة أخرى في حلف شمال الأطلسي ، فمن المرجح أن يتجمع المتطرفون من جميع الأطياف في أفغانستان كما فعلوا في التسعينيات،  في حين ان  اتفاق الدوحة يقول إن طالبان ستتعامل مع أولئك (الذين يلتمسون اللجوء أو الإقامة في أفغانستان وفقًا لقانون الهجرة الدولي حتى لا يشكل هؤلاء الأشخاص تهديدًا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها) ، ومع ذلك ، فإن البند التالي يمثل ثغرة كبيرة ، حيث يقول إن طالبان لن تقدم وثائق رسمية لأولئك الذين يسعون لدخول البلاد والذين يشكلون تهديدًا للولايات المتحدة بعبارة أخرى  يمكن لطالبان ببساطة أن تغض الطرف عن وصول المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى أفغانستان ، وأن تظل ضمن نص اتفاقية الدوحة.

   بدون وجود قوات أمريكية على الأرض في أفغانستان لدعم جمع المعلومات الاستخبارية وعمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها القوات الأفغانية والقاعدة والإرهابيون الآخرون ستتمتع بحرية أكبر في العمل والقدرة على إعادة بناء شبكاتهم القيادية وقدراتهم، لقد نجحت الولايات المتحدة في التعامل مع فلول القاعدة من خلال عمليات مشتركة مع القوات الأفغانية على مدى السنوات العديدة الماضية،إن استمرار المساعدة المالية الأمريكية لقوات الأمن الأفغانية والتعاون الاستخباراتي مع الأفغان كان من الممكن أن يساعد في التخفيف من التهديدات الإرهابية ، لكن التحديات لمواصلة الضغط من قبل معظم التنظيمات  الإرهابية ازداد بمرور الوقت، الاستثناء الوحيد المحتمل لهذا الاتجاه قد يكون تهديدات من تنظيم داعش الارهابي الذي سيجد ان ذلك الانسحاب بات يمثل فرصة مؤاتية لتحقيق انجازات على ارض الواقع.

   اما من المنظور الإقليمي بما يتعلق بباكستان التي قد لا ينكر احتفاظها بنفوذ كبير على قيادة طالبان ، إلا أنها كانت غير مستعدة لاستخدام هذا النفوذ لتعديل سلوك طالبان أو قطع علاقات طالبان بالإرهاب، لقد دعمت باكستان حركة طالبان في شكل إمدادها بالأسلحة والتدريب والمشورة في ساحة المعركة ، وتسهيل تحركات مقاتلي طالبان عبر الحدود ، على الرغم من الضغط الأمريكي القوي وخطر تصنيفها كدولة راعية للإرهاب، قد تأمل باكستان أن يتجاهل المسؤولون الأمريكيون دورها في مساعدة طالبان طوال هذه السنوات وأن يركزوا بدلاً من ذلك على استخدام العلاقات الباكستانية مع الجماعة لتعديل سلوكها في المستقبل ،ومع ذلك  سيكون من السذاجة أن تعتقد إدارة بايدن أن باكستان ستغير سياساتها تجاه طالبان الآن بعد أن صعدوا في أفغانستان.

   بدلاً من الاستمرار في تحمل لعبة باكستان المزدوجة في أفغانستان  ينبغي على الولايات المتحدة التركيز بدلاً من ذلك على تطوير شراكات لمكافحة الإرهاب مع دول آسيا الوسطى ، وتحديداً أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان، اذ زار قادة كبار من هذه الدول واشنطن مؤخرًا لمناقشة الأوضاع الأمنية المتدهورة في أفغانستان وكيف يمكنهم التعاون مع الولايات المتحدة للتخفيف من التهديدات الإرهابية في المنطقة، وفي حين أنه من غير المرجح أن تستضيف دول آسيا الوسطى القوات الأمريكية ، فإنها ستكون منفتحة على تعاون استخباراتي أوثق وقد تسمح للولايات المتحدة بإجراء مهام استخباراتية ومراقبة واستطلاع من أراضيها، وبحسب ما ورد طلبت إدارة بايدن ذلك إذا كانت دول آسيا الوسطى الثلاث ستستضيف مؤقتًا حوالي( 9000 ) من المتقدمين للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة الأفغانية أثناء النظر في اجراءات منحهم تلك التأشيرات.

   اذ تشترك الصين وروسيا وإيران في مخاوفها بشأن احتمال ظهور تهديد إرهابي متزايد من أفغانستان مع تقدم طالبان في الأرض  لكن لا يمتلك أي منهم بمفرده نفوذًا أو إرادة سياسية كافية للتأثير بشكل كبير على الموقف ستتبع كل دولة خطوات تكتيكية لحماية مصالحها الخاصة بمكافحة الإرهاب، ومع ذلك ، فمن غير المرجح أن تكون هذه البلدان قادرة على صياغة استراتيجية متماسكة لإحلال السلام في البلاد.

   على مدى السنوات العشرين الماضية  دعت الصين وروسيا وإيران إلى خروج القوات الأمريكية من المنطقة، ومع ذلك ، فقد بدأوا في الشعور بالأسف لانسحاب الولايات المتحدة لأنهم يدركون أنه أزال الغطاءً عن التهديدات الإرهابية العالمية التي تهدد الآن بالوصول إلى حدودهم، كما تهدد الحرب الأهلية المطولة بإرسال تدفقات اللاجئين إلى إيران المجاورة  التي تستضيف بالفعل حوالي مليوني أفغاني ، ولا يمكنها إضافة المزيد من اللاجئين إلى اقتصادها المترنح بالفعل.

   ليكون من الافضل وفق رؤيتنا بأن أفضل فرصة لتجنب انتصار عسكري سريع لطالبان هي أن تحافظ الولايات المتحدة على دعم مالي قوي لقوات الأمن الأفغانية وتواصل الدعم الجوي لحصار طالبان وتقييد امتداد نفوذها في البلاد ، كما يجب على الولايات المتحدة أيضًا بالسماح للأفغان بالحفاظ على القدرات الجوية الحيوية، مع وجوب التركيز على الدبلوماسية في الحصول على نتائج ذات مغزى و ليس على محادثات السلام غير المثمرة التي تستخدمها طالبان فقط لتأسيس شرعيتها الدولية ولكن بدلاً من ذلك كان يجب العمل على دعم الحكومة الأفغانية ودفع غني للعمل مع سماسرة السلطة الآخرين وتوحيد الفصائل الأفغانية لمقاومة التقدم العسكري لطالبان.

   يجب ألا تقبل الولايات المتحدة فرض طالبان إرادتها على الشعب الأفغاني من خلال فوهة البندقية، إذا تجنبت طالبان تسوية سياسية تفاوضية لصالح استمرار العنف  يجب على واشنطن أن تنكر شرعية الاعتراف بطالبان، فخسارة الولايات المتحدة لنفوذها بسرعة في أفغانستان يوجب على الولايات المتحدة أن تستخدم الأدوات المحدودة المتاحة لها مثل المساعدة المالية والنفوذ الدبلوماسي بحكمة أكبر على ان يكون ذلك بتحرك فوري في الظروف الراهنة من منظور انساني لمنع كارثة تعمد طالبان لارتكابها بحق الشعب الافغاني.

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع