القائمة الرئيسية

الصفحات

التداعيات البيئية للازمة الروسية الاوكرانية د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

 

التداعيات البيئية للازمة الروسية الاوكرانية

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

  


التداعيات البيئية للازمة الروسية الاوكرانية

د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

   بعد اعلان الرئيس الروسي ( فلادمير بوتين ) في شباط من الشهر الماضي أنفصال مقاطعتين اوكرانيتين وهما كل من دونيتسك ولوهانسك ، لتبدأ الحرب والتي قد تكون الاكثر دموية مما شهدته اوربا خلال العقدين الماضيين ، بما يمكن ان يؤدي الى مقتل الالاف المدنيين وأزمة نازحين مع انهيار محتمل للاقتصاد العالمي ، مع ذلك كله الى أحداث ضرر لا رجعة فيه على البيئة الاقليمية والعالمية تماما مثل كارثة تشرنوبل في الثمانينات ، حيث أثار تصريح الرئيس الروسي حول وضع قوات الردع النووي في حالة التأهب أنتباه العالم ، وان كان ظاهره محاولة مباشرة للضغط السياسي على خصومه سواء في اوربا او الولايات المتحدة ، الا ان ذلك لا ينفي أحتمالية أستخدام السلاح النووي من قبل القوى المتصارعة ، وان كان احتمالا بعيدا إلا انه أمر يجب وضعه في الحسبان ، فالاحتمال البعيد هو بسبب مدى الاثار المتوقعة من الضرر المتوقع حدوثه في البيئة التي تعد محيطا للعمليات العسكرية والتي تعد الاطار الحيوي للإنسان والكائنات الحية التي تحيا فيها ، ولا سيما ان فكرة حماية البيئة تعود الى أمد بعيد يمتد لأبعد من القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين ، حيث أرتبطت أرتباطا وثيقا بحاجة الافراد الى الموارد الطبيعية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة بالنظر للظروف التي كانت تجري فيها الحروب آنذاك ، الى جانب الوسائل المستخدمة في تلك الحروب فقد كان خطر التدمير الشامل للبيئة محدودا ، الا ان الامر قد تغير خلال القرن العشرين بما رافق وسائل القتال من تطور تكنلوجي ، لذا باتت البيئة اكثر عرضة لخطر التدمير بفعل الاسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل أكثر مما يمكن حدوثه خلال حرب بأسلحة تقليدية على الرغم من كونها لا تقل خطرا عن نظيرتها ، فمنذ اوائل الستينات للقرن المنصرم وانعقاد مؤتمر ستوكهولم لعام 1972 وأنعقاد مؤتمر الارض في اوائل التسعينات من القرن الماضي في ريو دي جانيرو ، عبر عقود طويلة نجد ان الجهود المبذولة لحماية البيئة خلال النزاعات المسلحة نتج عنها عددا من المواثيق الدولية والتي مثلت مبادئ وإعلانات دولية تعنى بحماية البيئة لتكون ضمن الاطار القانوني للقانون الدولي لحماية البيئة ، الا ان مما لا يمكن انكاره ان النزاعات المسلحة لا تكاد تخلو من أثار مدمرة على البيئة ولا سيما ان الاضرار البيئية عرضة للتغير في كل وقت الامر الذي يؤدي الى تراكم لأنواع عدة من الاضرار والتي يصعب لاحقا فصلها عن بعضها ولا سيما عند أجراء تقييم لتلك الاضرار وبينا مدى تأثير كل منها لتحديد القانون الواجب التطبيق لإصلاح الضرر البيئي بإحدى صور المسؤولية الدولية سواء بالرد او التعويض المادي، لا يبرز السؤال المهم حول امكانية تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني في قضايا حماية البيئة بشكل مباشر او غير مباشر باعتبارها من الاعيان المحمية خلال النزاعات المسلحة ولا سيما ان قواعد القانون الدولي لا تخلو من وجود حماية مباشرة او غير مباشرة لمعالجة المسائل المتعلقة لحماية البيئة ، فبعد صدور إعلان بطرسبرغ لعام 1886 تبنى المجتمع الدولي الاتفاقية المتعلقة بقوانين وعادات الحرب البرية ومن ثم اتفاقيات لاهاي لعام 1907 والتي اكدت على احد اهم قواعد حماية البيئة خلال النزاع المسلح حيث حظرت تدمير او مصادرة ممتلكات العدو عدا الحالات التي تحتم فيها ضرورات تلك الحرب هذا التدمير او الاستيلاء ، لتتوالى الاعلانات والاتفاقيات التي تعنى ولو بشكل غير مباشر بحماية البيئة عبر القواعد التي توفرها قواعد القانون الدولي الانساني والتي سعت بمجملها الى حماية البيئة بكونها لا يمكن ان تشكل هدفا عسكريا مشروعا خلال النزاعات المسلحة، الا ان موضوع عدم وجود اتفاقية دولية تعنى بشكل خاص بحماية البيئة من آثار النزاعات المسلحة يمثل أشكالية تستوجب المعالجة لما يتخلل الاتفاقيات النافذة من فجوات سببها الرئيس عدم وجود اتفاقية مباشرة لحماية البيئة خلال النزاعات المسلحة وان وجدت اتفاقية حظر أستخدام تقنيات التغيير في البيئة لاغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى لعام 1976، فضلا عن البروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 والذي يمكننا القول تضمنه لمصطلحات غير محددة وقابلة للتفسير بأشكال مختلفة الامر الذي يزبد من صعوبة تطبيقها ، اضف الى ذلك كله انعدام وجود نص يجرم سوء استخدام الموارد الطبيعية وهدرها او الاستيلاء عليها او على جزء منها بطرق غير مشروعة، مع الاشارة الى ان اتفاقيات القانون الدولي لم تعمد لمعالجة النزاعات المتغيرة فيما اذا تغيرت طبيعتها او التصنيف المزدوج للنزاعات والتي قد نكون داخلية ودولية في الوقت ذاته وأثر ذلك كله على القانون الواجب التطبيق لحماية البيئة خلال النزاع المسلح ، اذ ان تحديد ذلك يتيح توفير تلك الحماية خلال تطبيق اتفاقيات القانون الدولي الانساني في حين لا يمكن تطبيقها خلال النزاع المسلح غير الدولي وهو ما يحتم ان يكون العرف الدولي ومصادر القانون الاخرى غير الاتفاقية هي الواجبة التطبيق والتي يفترض اللجوء اليها في ظل ذلك النزاع.   

   ومما لاشك فيه ان الصراع هو المحرك الرئيسي للجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم ، حيث يوجد الآن ما يقارب ( 283 ) مليون شخص يقتربون خطر الموت جوعًا منهم( 45 ) مليون يطرقون باب المجاعة، ولذا لا يمكن للعالم أن يترك صراعًا آخر يزيد من أعداد الجوعى، حيث يعد حوض البحر الأسود أحد أهم مناطق العالم لإنتاج الحبوب والإنتاج الزراعي ، لذا ومن المرجح أن يمتد تأثير الصراع الروسي الاوكراني على الأمن الغذائي إلى ما بعد حدود أوكرانيا  وخاصة بالنسبة للأشد فقرا من الافراد ، اذ سيؤدي اضطراب تدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود إلى زيادة الأسعار ودفع معدلات التضخم في أسعار الغذاء في وقت أصبحت فيه القدرة على تحمل تكلفة الغذاء مصدر قلق في جميع أنحاء العالم جراء الأضرار الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والتي مازال العالم يعاني من أثارها الاقتصادية عالميا، حيث ينظر العالم بقلق إلى النزاع على الاراضي الأوكرانية، خاصة مع عدم تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات لحل الازمة ظاهريا وروسيا التي لا يبدو أنها ظاهريا على الأقل تأبه بالتهديدات المستمرة بفرض عقوبات عليها ، وفيما تمثل الحرب كابوسا إنسانيا وأمنيا على كافة الاصعدة ، فإن آثارها الاقتصادية قد لا يتحملها العالم، بدءا من تأثيرها على أسواق الطاقة، الحبوب، وسندات الدولار وأسواق الأسهم ، يمكن إجمال خمس محاور اقتصادية رئيسة تنتج عن الحرب بين أوكرانيا وروسيا ، فالغزو الروسي لأوكرانيا ينتج عنه زيادة في أسعار النفط وبالتالي زيادة التضخم على المستوى العالمي ، كما أن الذهب الذي ينظر إليه على أنه الملاذ في أوقات الصراع المسلح أو الصراع الاقتصادي، فقد وصل إلى  ذروة في ارتفاع الأسعار منذ شهرين ، حيث من المتوقع أن يكون لأي انقطاع لتدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود تأثير كبير على الأسعار وأن يضيف المزيد من الوقود إلى تضخم أسعار الأغذية في وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبير في جميع أنحاء العالم في أعقاب الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء ، حيث من المرجح أن تتأثر أسواق الطاقة إذا تحولت التوترات إلى صراع ، اذ تعتمد أوروبا على روسيا للحصول على حوالي (35 % ) من الغاز الطبيعي، ويأتي معظمها من خلال خطوط الأنابيب التي تعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم  الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وفي عام 2020 انخفضت كميات الغاز المصدرة من روسيا إلى أوروبا بعد أن خفضت عمليات الإغلاق الطلب ولم تتعاف التوريدات بشكل كامل في العام الماضي عندما ارتفع الاستهلاك العالمي ، مما ساعد على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية ، ويمكن أن تتأثر أسواق النفط أيضا من خلال القيود أو التعطيل ، حيث إن التوترات تسهم بارتفاع مادي ملموس في أسعار النفط ، كل تلك التداعيات نجد انها ستكون احدى التداعيات البيئية للصراع الروسي الاوكراني بعواقب وأثار قد لا تحمد نتائجها على المدى البعيد.

 

 

 

 

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع