القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العراق … بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 

 

الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العراق …

بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر

 تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 


الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العراق …

بقلم د. عمار أحمد إسماعيل المكَوطر

تخصص علاقات دولية ودبلوماسية

 

   بعد انسحاب بريطانيا من كثير من مستعمراتها و مناطق نفوذها ، إثر ما تكبدته من أكلاف عالية ، ثمن انتصارها في الحرب العالمية الثانية ، إذ كانت مثقلة بالأزمات و الديون للولايات المتحدة ، فضلاً عما لحق بناها التحتية الأستراتيجية من أضرار فادحة جراء الحرب ، دفع بها نحو الانكفاء و التراجع عن دورها و مكانتها كدولة عظمى . و فسح المجال واسعاً للولايات المتحدة ، القوة الأكبر، الفتية الصاعدة في سلم القوة ، لتحل محلها في أهم مناطق استراتيجية مؤثرة في التفاعلات الأقليمية و العالمية ؛ يأتي من بينها منطقة الخليج العربي و العراق . الأخير الذي شكلت فيه بريطانيا حكماً ، ملكياً لنظام برلماني . و بات دولة مستقلة قانوناً ، بعد دخوله عصبة الأمم بمعونة بريطانيا في العام ١٩٣٢ ، و كأول دولة عربية تدخل هذه المنظمة الدولية . أخذ العراق يبرز على الساحة الأقليمية كقوة مؤثرة و فاعلة و له علاقات و تفاعلات نشطة على الصعيد الدولي ، حصنت الى حد بعيد جبهته الداخلية و استقراره النسبي و بدا كقوة سياسية دبلوماسية بارزة بدخوله أحلاف و تكتلات إقليمية و دولية جعلته نداً شرساً و كفوءاً للقوى الأقليمية كتركيا و إيران . بعد انسحاب بريطانيا وفق ما سبق الإشارة إليه ، و إحلال الولايات المتحدة منصب الزعامة محلها ، أحدثت و بسرعة سلسلة من الزلازل السياسية في المنطقة العربية و بعض من أنظمتها السياسية ، إذا ما استثنينا منطقة الخليج العربي لحسابات خاصة متعلقة بالجغرافية و الطاقة و عقد الاتصالات و المواصلات العالمية و التركيبة الديمغرافية و حجم السكان ، بما يمس استقرارها و يتماهى مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة ، و ما تعده مرتبطاً بأمنها القومي . طبيعة تلك الزلازل السياسية ، الأطاحة بالأنظمة الملكية و إيصال حكومات عسكرية ، بذريعة أنها ستكون أنظمة قوية تقوى على الحفاظ و تماسك جبهتها الداخلية بوجه المد الشوعي السوفيتي و منع عدوى الشوعية من النفاذ و التأثير في أوساط تلك الدول الشعبية منها و السياسية ، وجعل هذه الدول كأحزمة عازلة و جدران صد و احتواء من تمدد الفكر و المد الأحمر . العراق كان من بين هذه الدول ، بل من أبرزها ، إذ شهد تحولاً ، سياسياً سريعاً في  العام ١٩٥٨، بعد مصر التي سبقته في العام ١٩٥٢ .

   الحكم العسكري الذي حكم العراق جاء بإسهام و دعم أمريكي أو بغض النظر عن وصوله ، يحمل خطأً استراتيجياً بالغاً وقعت فيه الولايات المتحدة و لا زالت تدفع أكلافه ، و لعله السبب المباشر في الإنكفاء و التراجع عن تفردها في القيادة العالمية و زعامتها . العراق في ظل حكم العسكر مر بفترات من عدم الاستقرار السياسي تخللتها انقلابات و حروب داخلية و خارجية و أعمال عنف و تصفيات ختمت بأحتلال و فساد و فوضى ، حتى انتهى المشهد السياسي فيه الى دولة هشة فاشلة أخل ضعفها بالأمن و السلم الإقليمي و الدولي ، بعد أن أخل بالتوازن الأقليمي و أسهم في بروز قوى تهدد أمن و مصالح الولايات المتحدة و الغرب ذاته ، متمثلة خاصة بتركيا و إيران ، اللتان ما كان لها أن يظهرا بهذا الكم من القوة و التأثير و التهديد ، لو أن العراق كان قوة ثالثة موازنة . العراق الذي أجهزت عليه الولايات المتحدة عبر زجه في حروب عبثية عدوانية و غزو غير مبرر ، بعد إيصال و دعم شخصية جاهلة غير متزنة (صدام حسين) أوقعها لاحقاً في نفق الأفول و الإنكفاء ، و ظهور قوى منافسة لم يتسن لها البروز بهذه السرعة  و الكثافة كروسيا و الصين ، لو لم تقدم الولايات المتحدة على ما أقدمت عليه ، أو لو أنها دعمت العراق ، الذي سنبين أهم مرتكزاته الجيوستراتيجية العالمية و أهميته لأي قوى تبتغي قيادة العالم أو احتلال مواقع متقدمة في سلم القوة و النفوذ و العظمة ، و هذا ما لم يقدر قيمته الفعلية صناع القرار في الولايات المتحدة ، و لعلهم قد وقعوا في سوء التقدير و خطأ الحساب ، و هو خشيتهم على الكيان الصهيوني من عراق قوي عسكرياً و اقتصادياً و مستقر أمنياً ، و لو سلمنا جدلاً بصحة هذا الفرض ، فإنه ليس أشد خطراً من قوى كبرى ، لم تكن كما هي الآن لو كان العراق في مستوى مواز و كفوء لها ، كما لم تتعرض مصالح الولايات المتحدة و أمنها لاهتزازات كبرى ، لم يكن العراق طرفاً فيها و من قوى تدعمها و تتحالف معها الولايات المتحدة ، كتركيا و السعودية و حتى الكيان الصهيوني الذي يمثل الخاصرة الرخوة في جسد الولايات المتحدة ، لما يتسبب به لها من أزمات و متاعب مزمنة ، و ما يصيبها من أضرار مادية و معنوية ، و التي ستزداد في المستقل المنظور ، و لربما يزج أمريكا في حروب تكبدها أضراراً مبرحة .

 

أهمية العراق :

١-العراق من أهم مصادر الطاقة في العالم و يمتلك أهمية عظمى بالنسبة للدول الغربية و الشرقية ، دول الشمال و الجنوب على سواء .

٢-يحتل موقعاً جغرافياً فريداً و متميزاً ، في إطار السياسة العالمية و القوى الدولية المتحكمة فيه ، إذ يعد حلقة اتصال بين آسيا بعمقها الجغرافي و أطرافها المترامية شرقاً و أوربا شمالاً ، و هو أقصر الطرق الجوية بين قارتي العالم القديم آسيا و أوربا ، كما أنه منفتح عليه فواعل دولية راكزة في السياسة الدولية ومطل أو قريب من عقد و أحواض مواصلات عالمية .

٣-كثافة سكانية معتبرة اذا يبلغ تعداد سكانه زهاء ٤٠ مليون نسمة ، يمثل جيل الشباب النسبة الأكبر فيه .

٤-احتواءه على الكثير من المواد ألأولية الضرورية في الصناعات الاستراتيجية فضلاً عن أرض زراعية خصبة واسعة يمكن أن تكون سلة غذائية عالمية مهمة.

تعين العالم في أوقات الاستقرار والأزمات .

٥- يمثل مجالاً اقتصادياً مهماً ، في ميدان التجارة واستثمار رؤوس الأموال وتصريف البضائع والسلع كسوق كبير منفتح .

إزاء ما تقدم فإن هذه المكانة الجيوستراتيجية الحيوية التي ينفرد بها العراق ، كان على الولايات المتحدة وصناع القرار فيها أن تضعه في عين الاعتبار و مقدمة أولوياتها الأستراتيجية لا العكس ، إذ جعلت  منه بلداً يعيش حالة من الوهن و الفوضى والسيولة السياسية و التشظي  المؤسي  التنظيمي .

و تأسيساً على ما تقدم يمكن لنا القول أن على الولايات المتحدة :

١-أن تسعى لوجود عراق قوي آمن ، موضع استقرار دولي و اقليمي .

٢-إن هيبة و نفوذ الولايات المتحدة سيتآكل درامياً و يتراجع ، مع تصاعد قوة و نفوذ فواعل أخرى إقليمه و دولية ، ستطردها أو تزيحها عن قواعد ارتكازها ، و تجر منها البعض من حلفاءها ، و يمثل استقرار العراق وقوته عنصراً فاعلاً في إبعاد ذلك أو تأجيله ، ويتيح لها التفرغ لمواجهة تلك القوى المهددة في مواقع وأماكن مختلفة ، تمثل أهمية استراتيجية عليا لها .

٣-ترك هامشاً من  الحرية للعراق في امتلاك قراره ، وإدارة شؤونه عبر حكم وطني رشيد ، بعيداً عن التدخل أو الاحتلال أو الاستعانة بأطراف تدور في فلك التبعية و الفشل ، و عدم تملكها القدرة على العمل و الرؤية و تقدير مصالح البلد العليا .

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع